بوابة الشرق - قطر كثيرة هي الأراجيف التي طالت الموقف القطري مما يحدث في مصر خاصة، ودول الربيع العربي عامة، وتحدثت عن تغيير في السياسة القطرية خلال النصف الأول من العام الجاري. هذه الأراجيف بددتها وزارة الخارجية القطرية بالتأكيد على ثبات الموقف القطري في دعم المطالب الشعبية العربية بالحرية والعدالة، وأنه لا مجال لاحتكار السلطة أو إعادة الشعوب إلى "القن"، وأعلنت موقفها مما يجري في مصر وقالت "إن قرار تحويل حركات سياسية شعبية إلى منظمات إرهابية وتحويل التظاهر إلى عمل إرهابي، لم يجد نفعا في وقف المظاهرات السلمية، بل كان فقط مقدمة لسياسة تكثيف إطلاق النار على المتظاهرين بهدف القتل، وإن ما جرى ويجري في مصر ليقدم الدليل تلو الدليل على أن طرق المواجهة والخيار الأمني والتجييش لا تؤدي إلى الاستقرار، مؤكدا أن الحل الوحيد هو الحوار بين المكونات السياسية للمجتمع والدولة في مصر العربية العزيزة من دون إقصاء أو اجتثاث". هذا البيان المقتضب يشير إلى التالي: 1- إن قلب المفاهيم لا يجدي وتحويل التحركات السلمية الجماهيرية إلى "أفعال إرهابية" هو ضرب من العبث، لأن المظاهرات الشعبية هي تعبير عن مطالب الناس وبالتالي لا يجوز شيطنتها. 2- إن اللجوء إلى الحلول الأمنية لا يقود إلا إلى الفوضى والعنف وعدم الاستقرار وتدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية. 3- إن الحل الوحيد هو الحوار بدون إقصاء أو اجتثاث، وهذا تعبير واضح وصريح يعبر عن رفض استهداف جماعة الإخوان المسلمين أو المكونات السياسية والاجتماعية الأخرى التي تقف ضد الانقلاب وتعارض حكم "الطغمة" العسكرية في مصر. 4- رفض "إقصاء أو اجتثاث" أي مكون مجتمعي أو سياسي، وفتح الباب أمام الجميع للمشاركة في صناعة العملية السياسية، وهذا تعبير عن العقل السياسي القطري "التشاركي" الذي يعتبر أن الجميع شركاء في بناء الوطن وحمايته. بالطبع تصدت الآلة الإعلامية الضخمة التابعة للانقلابيين في مصر للهجوم على الموقف القطري ووصفته بأنه "تدخل في الشؤون الداخلية المصرية" وهي اتهامات زائفة، لأن قطر لم تتدخل في مصر ولا تتدخل فيها ولا في غيرها من الدول العربية، فقطر لا تملك أجندات تريد تطبيقها في العالم العربي، بل إن سعيها ينصب على الإصلاح والمساهمة بإنقاذ الأمة العربية من الضياع والتدهور الذي تعيشه حاليا، ويكفي أن نقوم ب"جردة" حساب للتحركات القطرية السياسية لنعرف كيف ساهمت قطر ماليا وسياسيا من أجل حل الأزمات العربية وليس تسعيرها، كما حدث في السودان واليمن وفلسطين وجزر القمر ولبنان وإرتيريا، وهي لم تستفد من ذلك اقتصاديا أو سياسيا لأن المصلحة العليا للسياسة القطرية هي مصلحة الأمة العربية، ولولا ذلك لانحازت قطر إلى عقلية العزلة، كما تفعل دول عربية لا نسمع لها صوتا، وكأنها لا تنتمي إلى العرب، ولا تنعم بثروتها "بدون وجع رأس". وهذا ما دفع قطر إلى مناصرة الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا من منطلق أخلاقي قيمي عروبي إسلامي، وليس من منطلق البحث عن مصالح هنا أو هناك. أحد المسؤولين العرب صرح قبل فترة: "إن السياسة القطرية ستتغير تجاه مصر، ولكنها تحتاج إلى بعض الوقت"، وذهبت بعض التحليلات الإسرائيلية التي نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إلى "أن كل شيء قد يتغير في قطر، لأن كثيرا من دول المنطقة غير راضية عن السياسة الخارجية القطرية.. وأن هناك مؤشرات تؤكد أن قطر تتوجه إلى التركيز بشكل تدريجي على الشئون الداخلية ومشروعات التنمية، بعد أن اتضح أن بعض رهانات قطر في سياستها الخارجية كانت خاسرة، مثل تأييد "المتطرفين" في سوريا وليبيا، ومحاولة الركوب على الموجة الإسلامية والانضمام إلى مصر "مرسي". لقد أثبتت الأيام خطأ ما يقول المسؤول العربي لأن قطر "ليس لديها ما تعتذر عنه"، فالمؤكد أن تصريحات هذا المسؤول والدراسة الإسرائيلية تعبر عن "الآمال"، وتحاول تقديم صورة متخيلة عن قطر أكثر مما تحلل الواقع، وتحاول خلق "انطباعات تشكيكية" حول السياسة القطرية، وهي انطباعات وجهت لها الدوحة ضربة قاتلة بإعادتها التركيز على الثوابت السياسية القطرية من القضايا العربية، خاصة مصر، مما يعني أن هذه السياسة مستمرة في نفس الاتجاه بدون ضجيج، وأن الرهانات على التغيير والتراجع و"قلب ظهر المجن ذهبت أدراج الرياح". قطر تقف على الضفة الصحيحة من التاريخ، وستبقى في الذاكرة العربية مثالا ناصع البياض على الوقوف إلى جانب المظلومين والمقهورين والمستعبدين وضد المستبدين والطغاة والانقلابيين.