د.فوزية البكر الجزيرة-الرياض هذه حصة التي أرسلت لي قصتها المبكية المضحكة لبدء مشروعها الخاص بإنشاء ناد رياضي نسائي. استعرضنا الأسبوع الماضي حكايتها مع وزارة التجارة لاستخراج التصريح واليوم تسرد لنا قصتها مع البلدية وبيروقراطيتها القاتلة، ومع المعقبين السعوديين الذين نادراً ما يكتب عنهم أحد ولا أدري لماذا؟؟ بدأت رحلة عذابها كما تقول بالاقتراب من خط النار من خلال التعامل مع البلدية ليتم تعذيبها وتجريرها بإجراءات لم تجد لها تفسيراً، حيث ذهبت ونفذت جميع الشروط المطلوبة ومن ضمنها إحضار عقد إيجار ولكن سؤالها كان:كيف أحصل على هذا العقد من غير تصريح وإذا قمت بدفع الإيجار بمبلغ وقدره كذا وهو عال جداً ولم أحصل على التصريح من يتحمل التكلفة ؟ قالت لها الموظفة: اعملي عقد إيجار صوري؟؟؟ إذن .. هكذا دعوة للتزوير العلني لتجاوز إجراءات غير منطقية. وبعد حرب شبيهة بحرب داحس والغبراء وتحايل على شروط البلدية، كل ما فعلته الموظفة هو أنها أخذت الأوراق وراجعتها لتتأكد من اكتمالها ثم دبّستهم مشكورة وأرسلت المعاملة إلى قسم الرجال ؟؟!!!! يعني المكتب النسائي فقط للمراجعة والتدبيس؟ شعرت بحالة من الإحباط والفشل لأني كنت أستطيع أن أقوم بنفسي بهذه المهمة، يعني أن مكتب النساء ليس لديهم قدرة على اتخاذ أو صنع القرار وأحياناً للأسف حتى متابعة تنفيذه . انتهيت من المكتب النسائي في البلدية في بداية شهر رمضان، وبدأت مراجعتي مع عالم الرجال الذي لن أستطيع أن أقتحمه لكوني أنثى، لذلك سوف أحتاج إلى معقب يراجع المعاملة، فبدأت مهمة البحث وبعد عدة أيام حصلت على معقب شاب سعودي يبحث عن رزقه، وأنا كذلك أبحث عن إنهاء إجراءات رزقي، فاتفقت معه على مبلغ من المال حدده هو، دفعت له نصف المبلغ والنصف الآخر عند استلامي الأوراق. بعد عدة أيام اتصلت للاستفسار عن ما جرى للمعاملة فقال: المسؤول عن المعاملة في إجازة لمدة أسبوع ورمضان الموظفين صائمون وتعبانين .. ننتظر أسبوعاً. مر الأسبوع اتصلت على المعقب فقال بأنّ عنده عمل خارج مدينة الرياض وسوف يرجع بعد عشره أيام مرت زيادة على العشرة أيام، واتصلت: المعقب تعبان وصائم ولا يستطيع أداء أي مهمة هذا الأسبوع، وبعد مشاجرة بيننا لعدم التزامه في تنفيذ ما اتفقنا عليه أغلق محموله وذهب مع الريح ولم يعد، اضطررت للبحث عن معقب آخر يكون أكثر تحملاً للمسؤولية من سابقه، وبعد أيام وجدت آخر و اتفقنا ودفعت له مبلغاً من المال وذهب لإنهاء المهمة المستحيلة، وهنا شعرت أنّ حلمي بدأ يزدهر من جديد بإنهاء هذه الخطوة والحصول على التصريح. جاء عيد رمضان وأغلقت الدوائر الحكومية وحلمي في رأسي ينتظر، وبعد الإجازة مباشره اتصلت على المعقب لكي يبدأ رحلة البحث عن المعاملة فماذا قال؟؟ اعتذر بشدة لأنّ التفويض الذي يستطيع من خلاله البحث عن المعاملة موجود في سيارته وشقيقه أخذ السيارة وسافر إلى الشرقية، وسوف يرجع نهاية الأسبوع وليس لدي أيّ خيار في هذه اللحظة سوى الانتظار ومحاولة ضبط مشاعر القهر والغضب والظلم وووووووو ... انتهى الأسبوع وبدأ الآخر وأنا ما زلت أنتظر الحلم وفجأة تكرم المعقب واتصل؟ بدأ قلبي يدق في تسارع من حالة الفرح الوهمي لعلّ هذا الاتصال بداية تحقيق الحلم ولكنه كان مدمراً، حيث أخبرني بحادث سيارته في طريق عودة شقيقه وأنه سوف يكون مشغولاً؟! سلّمت أمري إلى رب العالمين وذهبت إلى القسم النسائي بنفسي لعلِّي أجد من يدلّني عن سير المعاملة. الموظفة لا تستطيع مساعدتي لأنها لا تعرف أين المعاملة وأين انتهى بها المطاف وما هو مصيرها، ولابد من وجود معقب رجل (هل يوجد في أي نظام حكومي خارج السعودية مهنة مثل مهنة المعقب؟) من تجربتي المريرة أعرف أنّ المعقب قادر على التهرُّب والمماطلة، لكن بعد البحث والتحري عن معقب يخاف الله فينا نحن بنات حواء حلّ علينا عيد الأضحى وحلمي مازال نائماً ينتظر بين ضلوعي . فتحت الدوائر الحكومية وبحثت عن معقب واتفقنا من جديد لكي يبحث لي عن الأمل المستحيل ودفعت له المبلغ الذي طلبه، وذهب بكل حماس يسأل عن المعاملة لكنه وجد المسؤول عن المعاملة في إجازة، لأنه مريض بعد أدائه لفريضة الحج وعرفت الأمر، فصليت ودعوت ربي أن يمن عليه بالشفاء العاجل عسى أن يفرج عن حلمي، وبعد الأسبوع العشرين لم أعد أهتم بعدد الأيام لكي لا أضخم همي. اتصل المعقب وأخبرني بأنّ والده مريض وهو المسؤول عنه، وسوف يذهب إليه ولا يعرف متى يعود، بحثت عن معقب رقم ستة أو سبعة لا يهم الآن.. وجدته ودفعت له المبلغ واتفقنا على المطلوب منه وبعد يومين اتصل وأخبرني بأنّ المعاملة تحت الإجراء، وأنها موجودة فعلاً في درج ما ومكتب ما مع شخص ما وتحتاج إلى عشره أيام فقط وتنتهي! بدأ الحلم يتسرّب إلى أرض الواقع: هناك فقط فترة زمنية لتنفيذ حلمي وهي عشره أيام وأحصل على نتيجة، أصبحت أعشق رقم عشرة لأنه سوف يحقق لي حلمي المنتظر. قبل انتهاء اليوم العاشر اتصلت على المعقب لكي أذكِّره بأنّ غداً هو اليوم العاشر وعليه مراجعة البلدية فلم يرد على اتصالي! أرسلت له رسالة لأنّ الذكرى تنفع المؤمنين فلم يجب!! اتصلت عليه صباح اليوم العاشر ونفس النتيجة بدأ الحلم يحتضر وبعد الظهر اتصل المعقب يعتذر بشدة لأنّ ابنه مريض ولديه تنويم في المستشفى وهو المرافق ولا يستطيع المشاركة في تنفيذ الحلم؟؟؟!! قرّرت في تلك اللحظة بأن أتابع المعاملة بنفسي من خلال التلفون. بحثت عن رقم البلدية: قسم الرجال وبدأت رحلة البحث وبعد أكثر من سبع مرات اتصال رد عليّ أحد الموظفين ونبرة صوته تقول: لماذا تتصلي وتزعجيننا؟ كل ما كنت أشم من صوته هو رائحة البيروقراطية والكسل وعدم الإحساس بالمسؤولية، وبأنه (موظف حكومة) بكل حال ، ألقيت التحية وسألت عن رقم المعاملة. أجاب بكل بساطه : تحت الإجراء اتصلي الأسبوع القادم . فعلت واتصلت بعد أسبوع ورد بنفس الطريقة: تحت الإجراء قلت له ما معنى الإجراء ؟؟ هل في المعاملة شيء غير رسمي أو مخالفة أو نقص في الأوراق المطلوبة؟؟ قال لا، أخبرته أنّ للمعاملة أكثر من ثلاثة أشهر دخلت ولم تخرج ماذا تفعل في أدراجكم لثلاثة أشهر، ردّ بنفس الطريقة : قلت لك تحت الأجراء . أجبته هل لوكنت ابنة أمير أو وزير أو رجل مهم في الدولة، هل سوف ترد عليّ بهذه الطريقة؟ أخبرته أنني إذا لم أجد إجابة واضحة عن معاملتي فسوف أذهب بنفسي إلى الوزير شخصياً وأقفلت الخط. وفي الصباح تلقّيت تلفوناً من شخص قال بأنّ المعاملة ذهبت إلى قسم التصاريح في البلدية! صدمت عندما عرفت وماذا كانت تفعل طوال الثلاثة أشهر لديكم أين كانت؟ وماذا فعلتم أنتم؟ ارتفع مستوى القهر والشعور بعدم العدل وتراكمت الأسئلة كيف تطالب الدولة بمشاركة المرأة في التنمية والأنظمة البيروقراطية البالية والحواجز الوهمية توضع في طريقنا؟ وكيف نشارك في أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي والأنظمة على أرض الواقع تقول لا بطريقه غير مباشره، فالأنظمة المتّبعة الآن ومن تجربتي الحالية في المؤسسات الحكومية لا تخدم المواطن على الإطلاق، إنما تعطِّل نماءه الشخصي والاقتصادي.. وجدت نفسي أمام تحدٍّ جديد وهو التنازل عن الحلم أو الدخول في معارك مع اللوائح والأنظمة فقررت الأخيرة، لأني الآن خسرت على أية حال بدفعي جزء من الإيجار للمبنى مقابل الحصول على العقد، ولذا قررت أن أخوض المعركة وأواصل إلى نهاية المطاف فكل شيء لا بد أن يكون له نهاية، واعتبرت ما فعلته البلدية بي رسالة واضحة: ابحثي عن واسطة تحرك أوراقك، وفعلاً وجدت وساطة رغم عدم قناعتي ولكن الواقع يجبرني، وبدأت هذه المرة أبحث عن وساطة وليس معقب في من حولي من الأصدقاء والجيران وأزواج الصديقات ووجدت ضالتي وشرحت له المعاناة وفي نفس الأسبوع اتصلت البلدية بي وأخبرتني بأنّ المعاملة ذهبت إلى الأمانة وشكرت ربى لأنها ما زالت على قيد الحياة وهي حتى كتابه هذه التجربة المريرة لم تنته بعد وما زالت في الأمانة، رغم أنها لا تحتاج لأكثر من توقيع فقط. (من عنده واسطة في الأمانة؟!). صحيح ما فيه مثلك في هالدنيا بلد وأنا أشهد على ذلك من تجربتي التعيسة كامرأة سعودية معزولة مع البيروقراطية الحكومية. المقال السابق: تجربة امرأة سعودية في الدوائر الحكومية لإنشاء مشروعها الخاص: رحلة العذاب! (1 من 2 ) http://www.al-jazirah.com/2013/20131212/ar3.htm