مللت الحديث عن "هوس التصنيف"، بالقدر الذي يشعرني برغبة ملحة في الغثيان عندما يوجه إليّ سؤالاً مثل الذي في عنوان المقال؟ يسألني الكثير ممن أقابلهم وربما لا أعرفهم عن رأيي في الفريق أول عبدالفتاح السيسي؟ لا أتردد في الإجابة بكل وضوح دون أن أعرف رأي الطرف الآخر، ما يقلقني هي النظرة البلهاء التي تصدر عن مؤيدي السلطة الحاكمة الآن وقد احمرت آذانهم وهم يتطلعون إلىّ: الأخ إخوان "ابقى خلي مرسي ينفعك"!! والحقيقة أن هذه المشكلة لا تختص بمؤيدي السيسي وحدهم، فعندما كان الإخوان في هرم السلطة كانت لديهم قناعة راسخة بأن كل مؤيديهم فلول وقد كنت أحد هؤلاء الفلول في نظرهم وقتها. سابقاً كنت أضيع وقتا طويلا في الجدل من أجل إيضاح وجهة نظري لكنني اكتشفت أنني كمن يحفر على الماء، فقررت توفير مجهودي، والاكتفاء بنظرة مليئة بالأسى تصاحبها ابتسامة لا أدري هل هي شفقة أم مرار. اختزال الصراع أو قل الخلاف في ثنائية يتم على أساسها ترتيب الحسابات والاصطفاف في طوابير الاستقطاب ينمي عن سطحية منقطعة النظير أو بمعنى أدق أزمة عميقة في الذهنية التي نعيش فيها. لابد من الاعتراف بأن هوس التصنيف من أكبر الأدواء التي تحجب الرؤية، عن الهدف المشترك والعدو المشترك، والمؤسف أننا ما زلنا في طور الحديث عن أمور بديهية جداً، على سبيل المثال أن ليس كل من يؤيد مرسي إخوانياً أو يؤيد السيسي فلولياً. خلاصة القول: أننا إذا أردنا أن نقف على الأسباب المؤثرة في انزلاق المجتمع إلى مزلق الفرقة والانقسام والتصفية والإقصاء، أن نؤمن أولا بمعضلة "هوس التصنيف" ونشخص أعراضه من أجل تجفيف منابعه والحد من انتشاره الذي ينخر في جسد الفرد والمجتمع.