كان رواد الفضاء في مهمة لإنقاذ الأرض في الفيلم Deep Impact أو الاصطدام العميق، حيث يتجه مذنب هائل نحو الأرض يبلغ حجمه أضعاف مساحة بعض الدول متوسطة الحجم. استمر طاقم المكوك في محاولة تدمير المذنب بكل الوسائل النووية لكنه لم يتمكن، اتخذ القائد قراراً بأن يصطدم المكوك بما فيه من الصواريخ النووية المتبقية بالمذنب لتفتيته وتقليل المساحة التي يمكن أن يدمرها من الأرض. كان هذا التصرف يعني أن ينفجر المكوك ويحترق بكل ما فيه، وأولهم الطاقم الذي يقوده. جلس الرواد في حالة من الذهول والانتظار، فأرادت إحدى زميلاتهم الترويح عنهم فقالت بسخرية: على الأقل ضَمِنَّا الآن أن تُطلق أسماؤنا على المدارس الثانوية. سألني صديقي الذي كان بإمكانه أن يكون عالما في مجال الذرة بدل وظيفته الحالية، سؤالاً من أسئلته التي هي كمذنب يصدم المستقبل عميقاً: ما العلاقة بين المقابر الاسرائيلية ومدارس البنات السعودية؟ بالأحرى لماذا تستخدم وزارة التربية والتعليم أسلوب ترقيم المدارس بدل تسميتها. يمارس الإسرائيليون عملية ترقيم المقابر التي تخص من يستشهدون من الفلسطينيين لضمان عدم التعرف على أماكن دفنهم، وهو جزء من متطلبات التفاوض على جثثهم، علاوة على حماية القبور من أن تسلب الجثث من داخلها. وقد يكونون تعلموا هذه الحيل من النازية الهتلرية التي كانت ترقِّم اليهود قبل أن تحرقهم وتبقي ملفات تحتوي معلوماتهم، وهو ما كشف كذب كثير ممن ادعوا أن أقارب لهم أحرقوا عندما حان وقت الحصول على التعويضات، واليهود يعبدون المال فليس لديهم ما يمنع أن يدعوا ما ليس لهم بحق في سبيل المال. يستخدم المسيحيون وكثير من المسلمين المقابر التي يعلو كل منها شاهد من الرخام ""عادة"" يحمل اسم الميت وتاريخ ميلاده ووفاته وعبارة تعرف به، أو تحمل تأبيناً من أحد أقاربه. هذه الطريقة لا توجد في المملكة لسبب معروف لدى الجميع، برغم أن أقارب بعض المتوفين يضعون علامات ما تلبث أن تخفيها عوامل التعرية، وتنتهي علاقة الكثيرين بموتاهم بمجرد اختفاء العلامات التي وضعوها، وبعضهم في وقت أقل. أذكر أننا كنا في سني طفولتنا نصلي كل جمعة في مسجد عبد الله بن العباس رضي الله عنه في الطائف. كان الناس ينتشرون عقب الصلاة في المقبرة المجاورة للمسجد، يزورن أقاربهم ويدعون للموتى وهو أمر حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاولت أن أزور مقابر البقيع العام الماضي عندما كنت في المدينةالمنورة أكثر من مرة ولم أتمكن، ولكنه ليس موضوع مقالي هذا. قلت لكم إن سؤال صاحبي عميق ويذهب بي يمنة ويسرة للإجابة. لم أجد إجابة، ولكنني وجدت دافعاً للكتابة في الموضوع عندما ذهبت في رحلة افتراضية باحثاً في قضية ترقيم القبور لأكتشف أن أمانة مدينة الرياض شرعت في تنفيذ مشروع ترقيم القبور لتمكين أهالي المتوفين من معرفة مواقع قبور موتاهم إلكترونياً، هذا يستثني كل الموتى قبل تسلم المشروع ""الذي أرجو ألا يتعثر""، وهي فترة تاريخية ليست بالقصيرة، لكنني أقترح على أهالي القرى أن ينفذوا مشاريع مماثلة ما دام لديهم العلم بمواقع قبور موتاهم لأنهم ليسوا ضمن نطاق المشروع. كل هذا كوم، والمدرسة رقم (3333) الابتدائية للبنات كوم. إن تسمية المدارس بهذه الأرقام الباهتة يجعلها ترتبط بالقبور أو نقاط المرجع على الخريطة. يحرم المدرسة من شخصيتها الاعتبارية التي تميزها عن باقي المدارس. أعتبر وجود رابط بين المدرسة والأشخاص الذي لهم مكانة اجتماعية أو تربوية أو دينية أو علمية أو وطنية من الأمور المهمة. يدل الربط بين الإعلام ومواقع التربية على احترام الأمة لمن يخدمونها. يدل على اهتمام المجتمع بمن يسهمون في خدمته ويطورون ما يسهم في رقيه وتميزه. يوحي بحب الوطن لأبنائه الذين أخلصوا له. كما يدفع بالطالبات إلى تبني أخلاقيات وسلوكيات ثقافة الأفذاذ الذين تحمل المدارس أسماءهم، عندما يقرأن في مدخل المدرسة نبذة عمن سُمِّيت المدرسة باسمها. من هنا أدعو المسؤولين عن تسمية المدارس إلى إنشاء آلية يتم من خلالها تسمية مدارس الجنسين بأسماء أعلام من الجنسين. يمكن أن تكون هذه الآلية مستقلة عن التفكير السائد اليوم الذي يربط المدارس بأسماء شخصيات فذة ذات أثر تاريخي كبير، فمكان هؤلاء ليس المدارس الابتدائية أو المتوسطة وإنما هو أكبر من ذلك. مرادي هو أن أرى اسماً من أسماء ساكني الحي في التاريخ القريب أو البعيد. شخص أثرى المجال الأدبي مثلاً، أو شهيد من أهالي الحي، أو سيدة ممن عاشوا هناك أنشأت داراً لرعاية الأيتام، أو معلمة أثرت فكر وسلوك فتيات الحي، أو أماً كافحت لتعلم أبناءها وتجعل منهم أشخاصا ذوي قيمة.. ولنبتعد عن الترقيم الذي لا معنى له!