العديد من مواقف المملكة أزعجت أمريكا ولم تُرضِ بعض الدول الأوروبية، ويأتي على رأسها دعم المعارضة السورية والوقوف مع الشعب المصري وسلطته الجديدة ضد الإخوان المسلمين، ثم الأمر الأخير رفضها عضوية مجلس الأمن إلا بوجود إصلاحات جوهرية تنزع عنه هيمنة الدول الأعضاء الدائمين، ويبدو أن الأمر خالف بشكل جذري توجّه تلك الدول والتي تجيد كل الحروب العسكرية والنفسية، والإعلامية، فسلّطت حربها العلنية علينا بتوظيف مختلف الوسائل المتاحة.. المملكة تشهد حملة مركزة بدأت مع منظمة العفو الدولية، ثم أجهزة الإعلام الأمريكية بشكل خاص وطال التشويه كلّ عمل تقوم به المملكة سواء جاء على شكل دعم للمنظمات الإنسانية أو توسيع دوائر الحوار، وأمريكا التي ظلت ترى أنها الولي الفقيه على العالم حاولت أن توجّه أي نشاط لصالحها. فالمعونات والتبرعات وكل دعم سياسي ومعنوي يجب أن يؤخذ الإذن منها أولاً، وقد حصلت على ما تريد في ظروف زمنية كانت تتحكم بالرأي العام العالمي وتقوده لدرجة أن سياسة المقاطعة والحصار كانت خياراً تفرضه على جميع من تتعامل معه، وهذا ما حدث بدءاً من كوبا قديماً إلى مصر حديثاً، غير أن طاقات الشعوب لا تتحمل هذه الضغوط وبنفس الوقت فإن حكوماتها ليست أسيرة القرار الأمريكي أياً كانت قوته.. هل نحتاج أمريكا أم نسعى نحو إيجاد بديل موضوعي نتعامل معه على قاعدة احترام كل طرف للآخر، أم نعمل على مجابهتها بما يخدم مصالحنا، ولا يضر بمواقفنا أو يسلبنا استقلال قرارنا؟ هذا السؤال مطروح أمام المواطن العربي، وتحديداً على مواطنينا في المملكة، والمنطق يفرض أن لا نتقاطع مع أمريكا وفق الفورة العاطفية، لأن السياسات تدار بالعقول والمصالح قبل الانفعالات، وهي تحتاجنا لأننا المحور الأساسي في المنطقة العربية، والرأس والقاعدة في العالم الإسلامي، ومواردنا الاقتصادية يذهب الكثير منها لأمريكا لتتوجه إلى عدة أنشطة ومبادلات تجارية وصناعية مختلفة، غير أن استعمال وسيلة الضغط بتسخير أجهزة الإعلام بأنه لا يوجد لدينا أي منافذ لحقوق المرأة والإنسان، وتصويرنا بأننا عالم منعزل ومتطرف دينياً واجتماعياً فذلك أمر لا تسوغه الوقائع الحقيقية على الأرض.. رد الفعل السلبي تجاه هذه الحملات لا يعطينا أي عمل ناجح، والمؤسف أن إدارة علاقاتنا العامة على المستوى السياسي وضعف الحركة بالسفارات والأجهزة الحكومية التي تدعم منظمات الأممالمتحدة، والصوت الإعلامي الخافت والموجّه للداخل فقط، إلى جانب إرسال الوفود واستقبال أخرى من المملكة ومن الدول الخارجية لإيضاح الرؤية الصحيحة، بما في ذلك الإعلان عن منجزاتنا في صحف أمريكا لا نجد لذلك بنداً أو استراتيجية واضحة عند وزارة الإعلام أو ذات العلاقة بالنشاط الخارجي مثل وزارة الخارجية لخلق اتجاه يضعنا على حد المساواة مع العالم الخارجي ومنظماته، ومن يديرون سياسته، والقضية تحولت من مناوشات إلى حرب وهذا يفرض أن نرى أنفسنا من الداخل بإصلاح أي خلل يوظفه الخارج لصالحه، وهي بنود معروفة ومطروحة بشكل معلن لكن البيروقراطية ظلت تخنق مشاريع جبارة لصالح المواطن، وهي إذا ما استغلت فسوف تكسب الطرف المعادي لنا جبهة تخدمه ولو إعلامياً وبذلك فنحن أمام موقفٍ الخيار فيه تحصين ذاتنا، وتعريف الآخر بنا بدون تهويل أو مبالغة..