يذكر عالم الاجتماع السياسي البريطاني «ب. ويلكنسون» في أحد كتبه: «أن الإرهابي ليس له فلسفة ينطلق منها، والإرهاب ليس «حركة» وإنما هو «أسلوب» أو مجرد طريقة لفرض موقف، أو لتحقيق طموح سياسي بعينه للجماعة المنعزلة المحبطة، أو التي تكتشف أن لا أمل لها إلا عن طريق تخويف أفراد المجتمع ومؤسساته، أو شلهم بالرعب، أو بالتضليل». في الأدبيات السياسية، في ثقافات مختلفة، ارتبط الإرهاب عادة إما بتغييب وعي من يمارسونه، أو بإثارة نعرات عنصرية أو طائفية أو طبقية، أو قد يرتبط الإرهاب بظروف أزمة اقتصادية أو ثقافية أو سياسية، أو بسيطرة تيار إجرامي يستهدف فرض سلطاته على مجتمع واحد، أو على جماعات دولية، أو بالتقاء مصالح أكثر من نوع من هذه الجماعات المنعزلة الطموحة والمتهوسة. وبسبب عزلة الإرهابيين عن المجتمع، فإنهم يلجؤون عادة إلى قوة خارجية ما، سعياً إلى التمويل والتسليح وإلى أن توفر لهم مأوى، وقد تسعى القوة الخارجية نفسها إلى البحث عمن تستخدمه منهم لأغراضها العدائية في أراضي دولة أخرى، أو مجتمع مختلف. «الحوثيون» لم يظهروا في صورة اليمن السياسية قبل قيامهم بسلسلة من المواجهات مع الحكومة اليمنية، وقد تداول الحوثيون خطابين: الخطاب السياسي الذي يسعى لأن يقدم صورة عن الحوثية على أنها جماعة تمرد، والخطاب الحركي الذي يدعي أن عداءه لأميركا هو سبب مواجهته مع الحكومة اليمنية والحكومة المركزية في صنعاء تحديداً، خصوصاً أن صعدة كانت المركز الذي بدأ تمرد الحوثيين منه. ظهور حسين الحوثي وجماعته لم يكن مفاجئاً للمراقبين، إذ إنه ينتمي لعائلة عرفت بالعلم، إلا أن تحولات الحركة وتطورها إلى مواجهات عسكرية مع الدولة هي التي وضعت الحركة تحت ضوء الاهتمام الإعلامي! المتابع لتطور الحركة الفكري يجد أنه بدأ من خلال الاعتراضات والمحاورات مع خطباء المساجد الذين لا يتفقون مع أفكار الحوثي وترديد الشعارات المعادية لأميركا وإسرائيل، «الموت لأميركا»، «النصر للإسلام»، «اللعنة على اليهود»، وتحت هذه الشعارات العازفة على المشاعر الدينية تم حشد آلاف من الشباب الناقم على أميركا وسياستها في المنطقة من بعد حرب الخليج، ويمكن أن يعد ذلك نقطة تحول التنظيم الحوثي من طابعه الفكري إلى الطابع السياسي. كذلك، فإن تحليل تطور حركة الحوثيين لا ينفصل عن التطورات التي حدثت في اليمن بعد حرب الخليج، والأعباء الاقتصادية التي تكبدتها الحكومة اليمنية بعد عودة أكثر من مليون مواطن يمني كانوا يعملون في الخليج، في وقت ترددت أنباء أن حسين الحوثي كان يصرف راتباً شهرياً لكل عضو في تنظيم «الشباب المؤمن»، خصوصاً أن عدداً من الباحثين يرون أن الحركة ازدهرت داخل هؤلاء الذين عادوا وتأثروا بحرب الخليج اقتصادياً. هناك عدد من العوامل الداخلية وأخرى خارجية أسهمت في تصاعد حركة الحوثيين، الداخلية تمثلت في فترة قيام الوحدة اليمنية على يد كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وسعي كل من الحزبين إلى استمالة الأحزاب الأخرى لتقوية حضوره، ففي سعي الحزب الاشتراكي لكسب حليف فكري مضاد يقابل الإخوان المسلمين «التجمع اليمني للإصلاح» بوصفه حليفاً تاريخياً للمؤتمر الشعبي وأداة تأثير استعملها المؤتمر منذ الثمانينات ضد شريكه الحزب الاشتراكي، ليقع الاختيار على حزب الحق بتشجيعه وتقويته، عملاً بلعبة التوازنات السياسية، وكان الحزب استغل الحركة الحوثية ذاتها في صراعه مع المؤتمر في الفترة الانتقالية. في الأحداث الإرهابية الأخيرة لتنظيم «القاعدة» في استهدافات عملياتها لم يكن الأمر في تصاعده مؤشراً خطراً بقدر ما أكد فرضية وجود قوى خفية أو خلفية تُمد تنظيم القاعدة وتدعمها مادياً ومعنوياً وتعد لها الأهداف المطلوب التعامل معها وتجهز لها الخطط والخطط البديلة لتصفية تلك الأهداف. ذلك يُرد للعوامل الخارجية التي أدت إلى تصاعد الحركة من الجانب الآخر، إبان غزو العراق على الكويت وتدهور أوضاع العراق، بدءاً من الحرب ضده وحتى الحصار الذي فرض عليه، في حين كان يقابل الأمر تصاعد في أوضاع إيران، وكان اليمن واحداً من دول المنطقة التي تلقت دعماً من إيران من خلال محاولات استقطاب أتباع المذهب الزيدي، المدعاة التي وجهت الأنظار إلى اليمن بوصفه قناة إقليمية إستراتيجية لتمرير الأهداف، وهذا ما تكشفت ملامحه بعد سقوط بغداد في مناسبة اليمن لسيناريو التغيير في المنطقة. الضربات الاستباقية الناجحة لأجهزة الأمن السعودية ضد مخططات «القاعدة» في السعودية من جهة، وفي المقابل وضع إيران الداخلي المأزوم بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة من التضييق، ذلك لم يجعل أمام إيران سوى العزف على أوتار الطائفية المهترئة، مستغلة وجود صمام حدودي غير آمن، يغذيه طرف آخر، لتعزف لحنها لاستثارته من طرف آخر. لكن هل تعي إيران أي طرف حدودي وأي سيادة دولة تحاول بائسة بعزفها النشاز عليه؟ على من تنطلي محاولتها المكشوفة في إشغال العالم ببث فتنها «الطفولية» عن المضي في مشروعها النووي؟ إيران والحوثيون يدركان أن توسيع دائرة الأعمال العسكرية وإطالة أمدها سيتكفلان بتدخل قوات خارجية، من منطلق أن أعمال الإرهاب والعنف إذا وصلت إلى حد الضراوة بسبب مساعدات ودعم خارجي له هدف من تصعيد هذه الأعمال، فلا بد في هذه الحالة من التعاون بين الدول بعضها البعض. الحوثيون الإرهابيون الذين يدّعون التمرد أو الثورة حتى وإن كانوا كذلك فإن في استرجاع شريط التاريخ واستقراء الأحداث التي مرت على كثير من الدول والشعوب، لاكتشفنا أن الأمة التي استطاع المتمردون أو الثوار فيها «المؤيدون بالشعب» – وليس الإرهابيين – القفز على مقاليد السلطة والإدارة فيها، كانت منكوبة بمتمرديها وثوارها؛ إذ سرعان ما يدب الخلاف بينهم بسبب التباين في وجهات نظرهم واختلاف مصالحهم، ويرجع ذلك إلى أنهم بعد تحقيق الهدف السياسي الأساسي الذي كان يجمعهم يتفرغون لتصفية حساباتهم، أو يتخلص بعضهم من بعض، ويكون الخاسر الأول والأخير هو الشعب، وحتى لو لم تحدث خلافات بينهم فإن نظام الحكم تحتهم يكون استبدادياً ديكتاتورياً شمولياً؛ لأن المتمردين أو الثوار يخشون من قيام جماعات أخرى تزعم أنها من الثوار، وتحاول تحقيق الدور نفسه الذي سبق لهم القيام به، فهل يكون ذلك مدعاة لكل من انطلت عليه خدعة التدثر في فورة صيف ساخن أن يراجع نفسه؟! * باحثة سعودية في الشؤون الأمنية والفكرية. [email protected]