لاشك أن الأوضاع في ليبيا لا تسر عدواً ولا صديقاً. الجنون الذي يمارس في عالم السياسة، والخراب والقتل والتدمير، كل تلك الأحداث تقول إن الأرض في ليبيا محترقة وتحتاج إلى تمشيط وترميم. بدأ الربيع العربي بالتنكيل غير الإنساني بالقذافي، ومن ثم بقتل السفير الأميركي، إلى استهداف الشخصيات العامة والسياسية، الأمر الذي جعل الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات. ليبيا تعاني من أزمات داخلية جزء منها يمس القبيلة وتصاعد دورها بعد انهيار النظام، بالإضافة لمعاناتها من غياب مفهوم "الدولة" الحقيقي، الذي يجب أن يتشكل حتى تتفتت الانتماءات الأخرى أو تتضاءل. كلام كبير وخطير قاله المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا، بحوارٍ أجراه الدكتور عادل الطريفي في "الشرق الأوسط" قال فيه:" والله مانديلا واحد لا يكفي ليبيا.. ولا حتى عشرة من أمثال مانديلا. لم تكن ثورات إسلامية بالدرجة الأولى، ولكنها استغلت من جانب ذلك التيار المنظم، تيار الإخوان، نظراً لأن التيار الإسلامي المنظم في دول «الربيع العربي» هو تيار الإخوان. لكن تبين من خلال السياسة التي انتهجها الإخوان سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أنه لم يعد لديهم قبول يذكر في الشارع الليبي أو المصري أو التونسي"! بطبيعة الحال هذا الكلام لا يتفق ومرحلة المستشار في المجلس الذي ملأه بالرموز الإخوانية والذين رأى الآن أن شعبيتهم تتراجع في الشارع. ويقول إن مانديلا واحد لا يكفي! بمعنى أن السلم ليس محققاً، وهو يطرح فكرة "المصالحة" والتي لا يمانع أن يكون قائداً لها أو محوراً في ملعبها. ليبيا تعبت منذ خمسين سنة، والمستشار يعلم ذلك فهو ممن كانوا ضد انقلاب القذافي، وكان أقرب هو وعائلته إلى العهد الملكي، لكن الذي يمارس الآن لا يقل سوءاً عن مراحل الانقلابات سواء لدى القذافي أو غيره. كتبتُ أول ما سقط نظام القذافي أن الخوف من السلاح المنتشر، وهذا الذي يجري الآن، ميليشيات منتشرة شرقاً وغرباً، وصغار يتداولون ويلعبون بالأسلحة الخطيرة الفتّاكة، وعمليات تنفذ ضد أشخاص ومؤسسات فما المستقبل؟! بآخر السطر، بغياب الدولة برزت الانتماءات، لهذا نرى الأمازيغ يطالبون بالإنصاف، والقبائل ترفع شعاراتها وقصائدها، والدولة لم تبدأ التأسيس أصلاً، الحل في مؤسسات الدولة لليبيا، فهي التي ترسم خط ممانعة ضد القبيلة وصراع الأقليات.