انتهى موسم الحج المبارك، أسأل الله للحجاج القبول، وللعاملين في هذا الموسم الذين تشرفوا بخدمة ضيوف الرحمن الأجر والثواب، وبمناسبة نجاح الموسم أبارك للقيادة والمسؤولين والعاملين صغاراً وكباراً، خاصة أولئك الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت وبهدوء دون كلل أو ملل أو ضجيج. حج هذا العام فيه العديد من الإيجابيات، أهمها الاستقرار الأمني وتطبيق حملة لا حج دون تصريح، وخطة النفرة من عرفة إلى مزدلفة، كما كانت ظاهرة التدقيق والحزم في دخول مكة والمشاعر مثار الإعجاب من حيث تطبيق النظام والدقة والصرامة في التدقيق، والحزم في رد المخالفين. في المقابل هناك بعض الأمور كما هي طبيعة الأمور تحتاج إلى متابعة وتصحيح. كل من حج هذا العام أو قد سبق له الحج من قبل يلاحظ الفارق الكبير في كثافة العدد الكلي للحجاج التي ترتب عليها انخفاض الحشود البشرية والحافلات، مما كان له الأثر الكبير والفعال في سرعة الحركة داخل المشاعر وخارجها، والرمي والطواف، كما تبين أثرها في خلو بعض مخيمات عرفة وتوافر الأماكن عند افتراش مزدلفة، لقد كانت ظاهرة تستحق التأمل. ولي مع الحج وقفات أضعها أمام التأمل والدراسة والبحث: الوقفة الأولى، تتعلق بتخفيض عدد الحجاج الذي تم هذا العام، فقد انخفض عدد الحجاج بما يقارب النصف، وهذا التخفيض يحتاج لمراجعة خاصة مع انتفاء السبب الذي تم التخفيض لأجله وهو سعة المطاف، حيث تمت إعادة افتتاح المطاف في الدور الأول والسطح، كما تمت إضافة الحلقة الدائرية الجديدة للعربات وكبار السن في المطاف، فزادت سعة المطاف من 48 ألف إلى 78 ألف طائف في الساعة، وقد تحسرت على الحجاج الذين تم ردهم بسبب اكتفاء حملات الحج أو بسبب تخفيض الأعداد لهذا العام سواء من الخارج أو من الداخل، وهو أمر سيستمر في السنوات المقبلة، حيث نص القرار على سريان التخفيض للعدد لمدة ثلاث سنوات! وبالتالي فإني أدعو لإعادة دراسة هذا القرار، حيث يتم إلغاء التخفيض لاستيعاب أعداد أكبر في الأعوام المقبلة، مما سيترتب عليه أجر زيادة عدد الحجاج لتأدية الفريضة، وتخفيض خسائر المستثمرين الذين تأثروا كثيراً بهذا القرار. الوقفة الثانية، تتصل بأسعار حملات حج الداخل لهذا العام، التي وصلت لأرقام عالية جداً ومبالغ فيها، خاصة للحجاج ذوي الدخل المحدود، أو للمقيمين من العمالة، مما قد يؤدي بالكثير منهم إلى محاولة التهرب من هذه الحملات وبالتالي الحج دون تصريح، مع افتراش سلبي للمشاعر، ودراسة هذه الظاهرة أمر مهم، حتى لا نوجد مبررات للمخالفين، ويتمكن الراغبون في الحج من تأدية هذه الفريضة بتكاليف معقولة، ومن أمثلة المقترحات لتخفيض التكاليف أن يتم إسكان الحجاج في مخيمات خارج المشاعر، وأن يتم تخفيض مدد المكث في عرفة ومزدلفة لأقصر وقت، والتعجل في الرمي، وإنهاء الحج في ثاني أيام التشريق. الوقفة الثالثة، يبلغ عدد المسلمين في العالم 1.7 مليار، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 2.2 مليار مسلم في عام 2030، هذا العدد المتزايد بشكل مطرد يستدعي وضع رؤية طموحة لاستيعاب الحج للمواسم المقبلة، خاصة ونحن مسؤولون أمام الله عن أداء المسلمين لفريضة الحج، لذلك فقيامنا باستضافة مليوني حاج سنوياً، لا يعني شيئاً بالنسبة لمجموع المسلمين ولا يتجاوز نسبة 12 في الألف من عدد المسلمين، وبحسبة بسيطة لعدد المسلمين لو افترضنا أن متوسط الحج لكل مسلم هو 40 عاماً ""أي الحج لمرة واحدة كل 40 سنة"" وأن 50 في المائة فقط من المسلمين هم من لديهم القدرة على الحج ""سواء بسبب اقتصادي أو صحي""، فمعنى ذلك أن عدد الحجاج يجب أن يبلغ في عام 2030، 27.5 مليون حاج، هذه احتياجات الأمة، فهل نستجيب؟ الوقفة الرابعة، موسم الحج هل هو فرصة أم أزمة؟ موسم الحج كما أراه يتم التعامل معه حكومياً مثل ""الجمرة""! التي نترقبها لنتخلص منها، مع أن موسم الحج ومواسم العمرة والزيارة كانت تاريخياً هي مصدر الدخل الرئيس لمنطقة الحجاز، بل وتشكل السياحة لكثير من الدول مصدراً رئيساً للدخل، حيث تُشغّل السياحة ما يزيد على 40 قطاعاً اقتصاديا داخل الدولة، وتعتبر المساهم الأكبر في توظيف المواطنين، لكن السياحة الدينية تختلف اختلافا جذريا عما سواها، فلا هي تحتاج إلى حملات إعلانية حكومية للترويج لها، ولا تخضع لمتغيرات الطقس والدراسة وغيرها، إضافة إلى أن السائح الديني يتقرب إلى الله بالصرف على عكس السائح العادي، كما يمكن استثمار السياحة الدينية في الترويج للسياحة العادية لباقي معالم المملكة المتميزة تاريخياً وحضارياً، وفي ظني أن الحج والعمرة والزيارة ممكن أن تمثل المصدر الثاني للدخل لو تم فتحها والاهتمام بها، وتجهيز البنية الأساسية لاستيعاب ضيوف الرحمن. ختاماً .. أتمنى أن تتبنى الدولة بقيادتها ومسؤوليها ومكوناتها الكلية رؤية متكاملة، بمقتضاها نعمل ليصل عدد الحجاج إلى 30 مليون حاج في عام 2030 لتكون رؤيتنا استضافة 30 مليون حاج في عام 2030، وهذا الهدف ليس بعيد المنال لو عملنا عملاً جاداً مخلصاً للوصول إليه، وهناك الكثير من الأفكار والمقترحات العملية والممكنة التطبيق يمكن وضعها موضع التنفيذ لتحقيق هذه الرؤية المباركة.