قبل أكثر من ألف وأربع مئة سنة قال شاعر عربي: ما أرانا نقول إلا مُعاراً أو مُعاداً من قولنا مكرورا ولذلك فإني أعتذر باشتمال مقالتي هذه على بعض ما سبق أن ذكرته في مقالات سابقة. بل إن عنوان المقالة هو عنوان مقالة كتبتها بمناسبة عيد الفطر في العام الماضي. في هذا اليوم الفضيل، التاسع من ذي الحجة، ترتفع في صعيد عرفات دعوات الحجاج مُتضرِّعين إلى الله الكريم الجواد أن يَمنَّ عليهم بقبول حجهم ويعيدهم إلى أوطانهم بعد أدائه مبرورين فرحين بنعمه ومننه التي لا تحصى. ويوم غد تحتفل الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى؛ وكل مؤمن يرجو الله أن يعيده على أُمَّته وقد تَغيرَّت أحوالها إلى ما فيه صلاحها وقُوُّتها، وانقشعت عن سمواتها غشاوة البلاء والمحن. وعنوان المقالة جزء من بيت كان مطلع قصيدة من أشهر قصائد أبي الطيب المتنبي؛ ومطلعها: "عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدتَ يا عِيدُ؟ بما مَضَى أَم لأَمرٍ فيك تَجديد"؟ وكنت قبل سبع سنوات قد نشرت قصيدة في صحيفة الجزيرة بعنوان: "صدى العيد"؟؛ مُستهلاًّ لها باقتباس ذلك البيت. ثم أكملت القصيدة على غرار قصيدة المتنبي؛ بحراً وقافية. فقلت بعد البيت المطلع أبياتاً تشتمل على كلمات ومعان وردت في قصائد عديدة من شعر ذلك الشاعر العظيم: هذا السؤالُ مَليكُ الشعرِ سَيِّده أَلقاه فَالدَّهرُ إِنشادٌ وتَغريدُ وكُلُّ ما صِيغَ من مَعْسولِ قافيةٍ صدَىً لما صاغه بَدْعاً وتَرديدُ ما أَروعَ المُلهمَ الكِنديَّ نَائلُه خُودٌ من الفَنِّ أَبكارٌ أَماليدُ هَذي تَروح بِقلب الصَّب مُقلتُها وتلك يَغدو به من سِحرِها الجِيدُ حُسْنٌ من البدو لم يُجلَب بِتَطريةٍ هو الأَصالةُ لا زَيفٌ وتَقليدُ ما كان أَروعَ من دانت شَورادُها له وأَرهق من حاكوه تَسهيدُ فَذُّ الطموح تَعالَى عَزمُ هِمَّته عما ارتضاه نديم الذُّل رِعديدُ لم يَقبل الضَّيم إذ لاحت بَوادرُه من حَاكمٍ زَفَّه لِلحُكمِ إِخشيدُ واستأسدت في ثَرى مِصرٍ ثَعالبُها حتى اختفت من جَنَى الكَرْمِ العَناقيدُ ماذا تُراه لو ان العُمْرَ مَدَّ بِه وحَاضِر العُرْب بالإذلال عِرْبيدُ؟ كُلُّ المَواطِن مِصرٌ أَمرُ حَاكِمها يُمليه أَعوانُ صهيونَ المَناكيدُ غَدَت فلسطين أَشلاءً مُمزَّقةً وحَلَّ في أَهلها فَتكٌ وتَشريدُ والقُدْس غَيَّر مُحتلٌ هُويَّتها وانتابها من يَدِ الأَوباشِ تَهويدُ والسَّادرون من الحُكَّام دَيدنُهم في كُلِّ نَازلةٍ شَجْبٌ وتَنديدُ هاموا وَراءَ سَرابِ السِّلمِ زَادُهُمُ من عَمِّهم سَامْ تَوجيهٌ وتَعميدُ بَاعوا المَوَاطنَ كي تَبقى مناصبُهم يُحيطها من رِضا الأَسيادِ تَأييد وكنت قد ذكرت في مقالتي، العام الماضي، أن الوضع في سورية مُستحكم العُقد، وأن التغلُّب على القابضين على الحكم فيها سيكون - إن تَمَّ - باهظ الثمن. ومَرَّ عام على ما ذكرته في تلك المقالة. ولم يزدني مرور هذا العام إلا اقتناعاً بما ذكرته. وكان مما اتَّضح لي الآن، كما اتَّضح لكثيرين غيري، أن هناك تواطؤاً من الشرق والغرب مع مرتكبي الجرائم البشعة في تلك البلاد المنكوبة. ولا يملك المرء إلا أن يتضرَّع إلى الله أن يكشف عن هذه الأُمَّة ما حلَّ بها من غُمَّة.