حتى نعيش اللحظة القائمة في المنطقة العربية، وتحديداً الوضع السوري بعد اتفاقٍ أمريكي - روسي على تغيير المعالم والخرائط، علينا أن نعي تماماً أن الاحتمالات التي تخلقها التصورات تظل قابلة للتطبيق على الأرض، كما وأن علينا أن ننسلخ من الأماني إلى الواقع بمختلف تقلباته القادمة، واحتمالاته المنتظرة.. فمثلما اتفق الكبار على الأطر والسياسات، فإن المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي قد يشهدان تبدلاً يترافق مع تلك الفرضيات وأن نستعد في دول الخليج العربي بأن هناك أموراً تتجاوز الصداقات والثقة المطلقة بمصالح تلك القوى، وأن لا نكون متشائمين، بل واقعيون على كل ما يطرأ من تبدلات وتغيرات ربما تخلق ظروفاً لا تناسب طروحاتنا وأفكارنا.. سورية هي المحور، ولكنها سبب وليست نتيجة، وإنما ستصبح قاعدة التعامل مع دول المنطقة، والملاحظ أن الأردن مثلاً بدأ يدرس الانفتاح على سورية وإيران تبعاً لواقعه الراهن بدءاً من الخوف من تطور الأحداث وتأثيرها أمنياً عليه، وتزايد عدد اللاجئين السوريين الذي قد يُخل بالحالة السكانية أو «الديموغرافية» كمصطلح أجنبي، بنفس الوقت يريد المحافظة على وجوده في مجلس التعاون الخليجي، وهو نمط من الحيادية بدأ مع مدرسة مسقط في عدم إغلاق النوافذ مع كل بلد لا تجد فيه ضرراً لسياساتها، والأردن بلا شك هو في حالة صدام تاريخي مع مختلف الأنظمة، وظل يدير سياساته وفقاً لحفظ أمنه وعدم الإخلال بحالته السياسية والاقتصادية، بينما الحقيقة أن الحياد في منطقتنا العربية مستحيل، لأن الانقسام بين الأنظمة (رقم) ثابت في أوضاعنا عندما تتبدل المواقف حسب رياح المواسم التي تقطع علاقات، وتؤسس لأخرى، والمأزق العربي ثبّت هذه اللازمة في كل سلوكياته، ولم تعد القضية تلازم وجود، وإنما صارت تنافر مواقف.. حماس دخلت العديد من الأنفاق، خرجت من بعضها بخسائر محدودة، مثلما تقاربها مع سورية، ثم إيران، والتخلي عنهما بعد الثورة، والآن سيذهب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لإيران لإعادة هذه العلاقات وطلب دعمها، في وقت تعلن مصر أن المتورطين في محاولة اغتيال وزير داخليتها ممن تم القبض عليهم، بينهم عناصر فلسطينية، والحالة لم تقف على هذا التجاذب، فبمجرد أن تم إنهاء حكم الإخوان، بدأت المسارات بين حماس والسلطة المصرية تأخذ جانباً أقرب للتوتر سواء مطاردة الإرهابيين في سيناء، أو غلق الأنفاق، وفي تعقيدات كهذه نجد أن المناورة بين حماس وحكومة مصر لا تتفق ومصلحة حماس تحديداً، لأنها ستبقى الخاسر الأكبر والثمن سيدفعه المواطن الفلسطيني في غزة، وعملية إصلاح هذا الخلل تتطلب موقفاً أكثر شفافية منها، لأن الأضرار التي ستلحق مصر أقل منها ما سيترتب على سكان غزة.. مثل هذه التداعيات لن تكون وحيدة، فإيران الآن أصبحت تتراجع خسائرها، وهي تمسك بدبلوماسية فيها مرونة، ولكنها لا تغيّر من الثوابت، وبالتالي فالرهان الآن الذي يدار من خلف الأبواب، هو كيف هي الصورة وعلى أي وجه نراها؟ إذا ماعرفنا أن أمريكا تنطق بشكل عام أن آخر تورطها في الحروب العراق وأفغانستان، وستبقى تدير سياساتها وفقاً لأهمية أي كيان ووفقاً لأدواره السياسية والاقتصادية، ودول الخليج العربي، مع مصر ستتحمل العبء الأكبر في هذه الدورة، وهنا من الحكمة توقع الأسوأ، وليس الأفضل، لكن تبقى العمليات كيف نقرأ الوضع الراهن ونتعامل معه في بناء علاقات دولية أكثر ثباتاً وتحديداً لمصالحنا، ودون أن نكون الهدف طالما لدينا القدرة على وضع هذه العلاقات في ميزان ما نملك من إمكانات.. وحتى لا نخضع للابتزاز، أو المناورة فعلينا أن ندقق في كل ما يجري حولنا وبأفق يتسع لفهم كيف نرسم خطط مستقبلنا ومن نتعامل معه..