يتهم المستثمرون الزراعيون رجال الصحة بأن تصريحاتهم حول استخدام الأحماض والكبريت الأصفر في معالجة الرطب الأخضر (البسر) لتسريع عملية نضوجه وبيعه في السوق قد الحقت بهم خسائر كبيرة خصوصاً وانها جاءت قبل حلول شهر رمضان المبارك بفترة وجيزة. فنحن إذاً أمام اشتباك بين طرفين لهما وزنهما. فأصحاب النخيل يشيرون بأصبع الاتهام إلى ركن من أركان الصحة في بلدنا وهو المستشفى التخصصي وتحديداً إلى قسم المسرطنات بالمستشفى ويتهمونه بإلقاء الكلام على عواهنه دونما دليل. من ناحية أخرى فإن القطاع الخاص الزراعي قد استخدم منصة مجلس الغرف حتى ينفي ما ورد في تصريحات مسؤولي الصحة. وهكذا فإن الكرة قد أصبحت في ملعب المستشفى التخصصي حتى يأتي بدليل يبرهن به على صحة ما صرح به المسؤول في القسم المشار إليه. من ناحية أخرى فإن هذا الجدل، وبغض النظر عن نتائج السجال والأطراف المشاركة فيه، يفترض أن يفتح باب المناقشة حول ملف كبير ومهم جداً أسمه الصحة والتجارة. فالأمر لا يقتصر على الرطب وحدة. فاستخدام المبيدات والمواد الكيماوية في الزراعة ظاهرة منتشرة. فالمسؤولون الزراعيون قبل المسؤولين الصحيين قد دقوا ناقوس الخطر من زمان، بخصوص تزايد استخدام المبيدات في الزراعة. وإذا كان أصحاب النخيل يشتكون من الاتهامات التي وجهت لهم دونما برهان فإن المسؤولين الزراعيين لديهم الدراسات التي تثبت أن هناك نحو 150 مادة كيميائية تستخدم كمبيدات حشرية وفطرية في أسواق المملكة. كما تؤكد تلك الدراسات على أن 85% من المساحات الزراعية في المملكة تستخدم المبيدات وأن 80% من كميات الفاكهة مثل الخوخ والتفاح والكرفس تحتوي على بقايا مبيدات حشرية. وهذه ممارسات، إذا ما أضفنا لها استخدام مياه الصرف الصحي للري من قبل البعض، كلها مخالفات تؤدي إلى مشاكل صحية كتليف الكبد وتكوين الخلايا السرطانية وانتشار الأمراض الطفيلية والتسمم الغذائي وغيرها. وأنا أعتقد أن مثل هذه الظواهر ما كانت لتصل إلى هذه المستويات الخطيرة لو كانت لدينا ضوابط صارمة وآلية فعالة لمنع انتشارها. فمنذ زمان ونحن نأكل فاكهة بلا طعم ومنذ سنين والخضروات التي نشتريها مشكوك في فوائدها. وفاتورة هذه المواد الضارة يدفعها ليس فقط الشخص المتضرر التي يشتريها من السوق دونما علم بمضارها وإنما أيضا الحكومة وشركات التأمين الطبي. فتناول مثل هذه المأكولات غير الصالحة مع مرور الوقت يخلف مشاكل صحية تحتاج إلى علاج. ولذا فإن المسؤولين سواء في وزارة الصحة أو في وزارة الزراعة يفترض أن يتفقوا فيما بينهم لسن الضوابط ومن ضمنها بالتأكيد العقوبات الصارمة والغرامات المالية المرتفعة على المخالفين. ولا تقل عن ذلك الآليات والمواصفات التي من شأنها إجبار المستثمرين والعاملين في القطاع الزراعي على الالتزام أثناء تأدية مهامهم بأعلى المعايير الصحية وأرقاها. وأعتقد أن تحقيق ذلك سوف يعتمد في جزء كبير منه على آلية الرقابة وتوفر المختبرات التي تمكن الجهات المعنية من الكشف على المخالفات بسرعة وتطبيق الجزاءات على مرتكبيها. فنحن جميعنا نرغب أن تكون الفواكه والخضروات التي نأكلها متطابقة مع أرقى المواصفات والمقاييس الصحية.