مجددا يمكن لنا سرد عدد من الإنجازات التي تحققت، تنمويا واقتصاديا، وحتى سياسيا، على مستوى المملكة إجمالا، فالإضافات مستمرة والوتيرة تتصاعد، والعمل لا يتوقف من كل مؤسسات وإدارات الجهاز التنفيذي للدولة. وفيما العالم العربي من حولنا يشهد ردة اقتصادية وسياسية وأمنية، إلا أن بلادنا ظلت تتحرك بوتيرة متصاعدة نحو النمو والبناء والتنمية، داخليا وخارجيا، ولنتذكر أن السعودية بين الدول العشرين المؤثرة في اقتصاد كوكبنا. رصيد الإنجازات لا يحتاج إلى عرض تقليدي يشوه قيمته الحقيقة، عبر التكرار الممل والتقليدي، لكنه يحتاج إلى الابتكار والذكاء في العرض والتحليل والتقدير، للنفاذ إلى وعي المتلقي وإدراكه، وتلك قصة أخرى! سيكون من المفيد ..ونحن نحتفي باليوم الوطني ..أن نبقي السؤال مفتوحا، هل ما تحقق مرضي..؟ أو هل كان بالإمكان أحسن مما كان..؟!. أعتقد، انه وعلى روعة وجمال وقيمة المنجز، إلا أن هناك (بثورا) يجب أن يتم محاصرتها إلى الحد الأقصى الممكن لتكون الصورة خضراء أصيلة، وحماية لما يتم بناؤه وتكوينه. والحقيقة إننا لو نظرنا لكلمة الفساد ورصدناها في الإعلام السعودي الرسمي والخاص قبل 3-5 سنوات سنجد أنها تأتي على استحياء وخجل، وربما خوف، لكن اليوم هي حاضرة في المقالات والتحليلات والحوارات دون توقف، حيث مكافحته أصبحت أمرا حيويا وضرورة لا يمكن إغفالها إطلاقا. اعتقد أن إشكالية الفساد والتي أخذت حيزاً من البحث والصدى الإعلامي على الساحة الإعلامية المحلية، وبشكل غير مسبوق، بالغة الأهمية لحماية الكيان والمنجز، وضمان فعالية البرامج التنموية الكبرى المطروحة، والقضايا الملحة التي يضخ المليارات لمعالجتها مثل الإسكان، والبطالة وغيرهما. ونسجل كجيل، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الجهد العلني الأول لتعزيز مبدأ الشفافية، والتصريح بالحفاظ على المال العام من الهدر والتجاوزات مع تركيز دائم على مكافحة الاختلاس، وصولا إلى قراره بإنشاء (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد). الهيئة والتي (قد) نختلف على فعالية أدائها، سنسجل لها أولا التصريح بمكافحة هذا الخراب علنيا ورسميا، وهذا في اعتقادي تحول أولى ومهم جدا في الثقافة العامة. لكن أيضا، من الضروري ليس علاج المرض فقط، ولكن نشر الثقافة الصحية بين الأحياء قبل أن يجرفهم (الفيروس)، حيث من المهم أن تقوم (نزاهة)، كما تحب أن تسمي نفسها بنشر ثقافة (النزاهة)، فليس كل مسؤول سارق، وليس كل موظف عمومي قابل للرشوة، بل هناك نماذج وطنية تستحق الاحترام عملا وحضورا وإنجازا ونقاءً، وفي مستويات العمل الحكومي المختلفة. من الأخطاء الكبيرة، والكبيرة جدا، أن ينظر الرأي العام المحلي إلى الفساد وكأنه أصبح الأصل أو الغالب وليس العكس وهذا أمر يحتاج للكثير من الإصلاح والتوعية وإطلاق المبادرات الإيجابية لوضع الأمور في نصابها الطبيعي. لكننا بصراحة أيضا، وفي المقابل، بحاجة لتفعيل المكافحة عمليا وميدانيا بشكل عملي ولافت، وملموس النتائج، يجعلنا نستعد للتحول إلى مرحلة مباشرة (الحرب) على الفساد، وليس مكافحته فقط، ليتوقف (النخر) ووقاية جسد الوطن الاقتصادي والحضاري الوطني من هذا الفيروس. خطورة هذا الفيروس المشوش، أنه يهدم كل ما تحقق، بعد أن يجعل المتحقق مهما كانت قيمته عرضة للتشويه والتشكيك.. مساراتنا التنموية الكبرى، والمشاريع التاريخية المعلنة، والميزانيات التريليونية المبهجة، وبرامج الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الضخمة، تحتاج إلى جانبها تكريسا للنزاهة، ومكافحة شرسة للفساد لأقصى مدى يمكن أن تصل إليه دون استثناء، والهدف دائما (وطن...بلا فساد..!). كل عام والنزاهة فعل ثابت لأجل الوطن!