اتصل بي أحد المسؤولين الكبار في المكان الذي أعمل فيه وطلب مني توظيف أحد الشباب في العمل، وإذا كان لا يصلح فوظفه في أي موقع وسأتحمل راتبه الشهري، وبعدها أجرينا مقابلة مع هذا الشاب ووجدنا أنه لا يمتلك أي خبرة في مجالنا والمهارات العامة ضعيفة فقرر فريق التوظيف إدخاله في برنامج عملي متنوع يتدرب على العمل من خلاله في مختلف الأقسام، وكانت النتائج مخيبة للآمال فاتصلت بصاحبنا وأخبرته أن الشاب لا يناسبنا إطلاقاً فألح عليّ بإعطائه فرصة أخرى في أي مكان، واستجبت لهذه الرغبة الملحة ووضعناه في غرفة الرد على المتصلين في أحد البرامج التلفزيونية، وفي نهاية الشهر فوجئت بهذا الشاب وهو يدخل عليّ قائلاً: (هل يمكنني تقديم دراسة عن سلوك المتصلين وجنسياتهم وأعمارهم ومتوسط وقت الاتصال.. الخ)، فقلت له سأكون مسروراً بذلك، وأحضر من الغد دراسة جميلة ومرتبة ودقيقة لم أتوقع قدراته ترتقي لها وأكثر ما أعجبني فيه «المبادرة» التي يمتلكها فمن يمتلك المبادرة يمتلك مفتاح النجاح. ومع تمديد فترة التجربة لشهر آخر قام بتقديم مقترح آخر يحل فيه مشكلة أحد الأقسام التي تفتقر لجمع المعلومات فيما يخصها، وطرح تولي علاج هذه المشكلة بالمهارة التي يملكها وهي «الدقة» ونجح بامتياز في تطبيق المقترح، وبعدها قررت الشركة تعيين هذا الشاب «المبادر» على حسابها وليس على حساب صاحبنا الأول الذي أراد مجاملة أحدهم في هذا الموظف المستجد. الذين يتخذون «المبادرة» سلوكاً لهم في العمل ستجدهم دائماً في الطليعة، ولو درست السمات المشتركة بين المبدعين فلن تخلو جعبتك من سمة «المبادرة»، وكثير من الذين ماتوا ولم يخرجوا كنوز إبداعهم كانت تنقصهم فنون المبادرة. كثير من الموظفين يحجم عن المبادرة لأنه يخشى تحمل أعباء إضافية، وفي أحيان أخرى يخاف من فشل مبادرته الوظيفية، وبعض الموظفين يحرق كل أوراق المبادرات مع أول مبادرة مرفوضة، ولا يدرك هؤلاء أن العلاوات والترقي والتطور في السلالم الوظيفية والنجاحات المستقبلية تأتي تبعاً لمسلسل المبادرات. وحتى تكون مبادرتك ناجحة عليك أن تعرف أهداف المنشأة التي تعمل بها وطموح القيادات فيها، فبدون ذلك قد تكون مبادرتك في وادٍ بعيد عن واديهم، وعليك أيضاً أن تدرس بعناية العيوب التي يشتكون منها فكل مبادرة تخفف من حمل عمل أو تسد باب مشكلة فهي مبادرة من صالحك، ويبقى الذكاء في كيف تقرأ مزاج القائمين على الأمر وتوظفه من صالحك. الفرص الحقيقية ليس من عادتها طرق الأبواب، وإذا لم تنزل عليك الفرصة من السماء «بادر» بالصعود لها من الأرض.