مكتب المفتي في اسطنبول اليوم، كان في الماضي مقرا لقيادة الجيش (الإنكشاري)، وهو مبنى يعرف باسم (بوابة الآغا)، أشبه بوزارة الحرب، ولكنه قبل أن يكون مكتبا للمفتي، كان مكتبا ل (شيخ الإسلام). هذا اللقب الذي يعود تاريخه إلى عهد السلطان محمد الفاتح، الذي أجرى الكثير من التغييرات الإدارية في عهده، كان من بينها أن أطلق على المفتي الأكبر لقب (شيخ الإسلام)، وكان لهذا اللقب احترام يفوق لقب (الصدر الأعظم). تشير كتب التاريخ إلى أن لقب (شيخ الإسلام) أطلق على أكثر من (100) عالم عبر التاريخ الإسلامي، كلهم استحقوه وكانوا أهلا له. وقد جاء في بعض الروايات أن أول من سمي بشيخ الإسلام هو أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد جاء في رواية: (شيخ الإسلام). كما وصف الإمام أحمد رحمه الله المحدث المشهور أبا الوليد الطيالسي بقوله: أبو الوليد شيخ الإسلام. وقد فسر العلماء مسمى (شيخ الإسلام) على أنه (شيخ أهل الإسلام)، وأنه (شيخ في الإسلام). في كل الأحوال، في التاريخ الإسلامي توجد ألقاب متعددة تدل على غزارة علم العالم أو الفقيه، ومكانته، وتميزه عن أقران عصره، مثل ألقاب: (شيخ الإسلام)، و(حجة الإسلام)، و(حبر الأمة).. ولكن للأسف لم يعد العالم الإسلامي بعد نهاية الدولة العثمانية يعطى مثل هذه الألقاب الكبيرة اهتماما كبيرا، رغم أنها لا ترتبط بدولة أو زمن، ولكنها ترتبط بمرتبة علمية، ومكانة في المجتمع الإسلامي يستحقها صفوة العلماء الأفاضل. المطلوب هو أن تتم دراسة إمكانية عودة مثل هذه الألقاب العطرة التي تضع العلماء الأفاضل في منازلهم وتعطيهم حقهم المعنوي في الحصول على لقب مبجل يحفظ لهم مكانتهم على خط التاريخ. خصوصا، أن علماء الحاضر أغزر علما ومعرفة بشؤون الحياة والعالم من علماء الماضي وفقهائه، فقد تعلموا علم الأولين كلهم مجتمعين واستفادوا منه وأضافوا عليه أيضا.. ونحن في دولة مهبط الوحي، يوجد لدينا علماء أفاضل أنعم الله عليهم، وفتح لهم باب العلم والاجتهاد، وأنار قلوبهم بما شاء من نوره، فمن باب أولى أن يكون على هذا التراب المقدس: (شيخ الإسلام) و(حجة المسلمين) و(حبر الأمة).. رجاء نرفعه إلى أصحاب القرار أن تتم دراسة إمكانية عودة الألقاب الإسلامية الزكية التي تطلق على ورثة الأنبياء من العلماء والفقهاء، ففي هذا الوطن المعطاء وعلى ترابه المقدس يوجد من يستحق أن يعاد إحياء هذه الألقاب من أجله.