يتساءل كثيرون، ما الذي يجعل أبناء وطننا متحمسين أكثر من غيرهم دوماً وبشكل كبير مع الأحداث والقضايا التي تجري حولهم بصورة تجعلهم يتابعون ويحللون ويستعدون للدخول بكل قوة كطرف في كل صراع يدور؟. كلما برز صراع في بلد ما سواء كان خارجياً أو بين أطراف داخلية متنازعة، انهالت الخطب العصماء وفتاوى الجهاد لدعوة الشباب للانخراط في ساحات القتال تلك، وبدأت أقلام الكتاب تؤلّب على صنع العداوات وتأجيجها. يبدو أن لدى مجتمعنا فائضاً كبيراً من الطاقة والقوة، ومن السهل أن يتم توجيه هذا الفائض لجبهات صراع في مواقع أخرى، تستهلك فيها هذه الطاقة الإضافية حتى لو انتهت إلى أن تتحول لقنابل موقوتة عند عودتها لمجتمعها. أحد أسباب هذا الاندفاع أيضاً هو حالة الشعور بالوصاية من قبل البعض تجاه قضايا المسلمين. التجارب السابقة في أفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق أفضت إلى نتائج كارثية على الصعيد المحلي، وتطلبت وضع برامج لإعادة تأهيل واندماج الأفراد الذين عادوا من تلك الساحات ليكونوا عناصر إيجابية أو محايدة في المجتمع. المجتمعات المتحضرة تبعث متطوعين لترميم ما تفسده الحروب الأهلية ولرعاية ضحايا تلك الحروب والصراعات المسلحة، والمشاركة في البناء وإعادة الإعمار، أما نحن فمن يشارك منا يكون طرفاً في النزاع، ووقوداً في الحرب الدائرة. ما ينقصنا هو الدعوة العامة للبناء بدلاً من الهدم، والمشاركة الإيجابية بدلاً من التخريب والتدمير، والإصلاح بدلاً من الفتنة، والأهم من كل ذلك الالتفات لوضعنا المحلي بدلاً من النظر إلى أوضاع الآخرين. ألا يمكن توجيه الأموال التي تُجمع كتبرعات لمواقع الصراعات إلى سد حاجة الفقراء والمحتاجين داخلياً ودعم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية القائمة؟. ألا يمكن توجيه الشباب المتحمس للجهاد المسلح في هذه البلدان للعمل في برامج تطوعية لخدمة الفئات المحرومة والمهمشة؟. لماذا لا تُؤسس جهات إنسانية تعمل على مساعدة ضحايا الصراعات والنزاعات في هذه الدول عبر تقديم المساعدة لهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية؟، يمكن لهذه المؤسسات أن تستقطب فئة الشباب في ظل توجهات واضحة محددة بعيداً عن الدخول في الصراعات البينية. التنمية في وطننا بحاجة إلى جهود كبيرة وعمل متواصل، ويمكن للشباب أن يلعبوا دوراً محورياً في هذا المجال حينما تتوفر أمامهم الفرص المناسبة وهكذا تتبلور التوجهات والخطط السليمة، كما أن علينا مسؤولية الحد من هذا الاندفاع الأهوج لإشراك الشباب في الصراعات الإقليمية وتحويل هذه الطاقات إلى مشاريع تنموية محلية تنعكس إيجاباً على استقرار وتطور المجتمع.