لنا، مرغمين مكرهين، أن نتصور صدور قرار متعسف من إدارة ما ضد موظف من موظفيها، معتبرين أن ذلك الموظف ملك من أملاك تلك الإدارة تفعل به ما تشاء، مادامت تلك الإدارة لا تعترف بالنظم والقوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينها وبين موظفيها، فتسن ما تشاء وتقرر ما تشاء، آمرة ناهية، مستبدة حين يعن لها الاستبداد، عادلة حين تتلطف وتتعطف فتنحاز للعدل. غير أنه ليس لنا أن نتوقع مثل هذا التعسف من إدارات نتوخى منها أن تكون النموذج الذي يتبعه الآخرون ويقتدون به في مراعاة الأنظمة، بل من إدارات مسؤولة عن إعداد أجيال من الخريجين، مما يفرض عليها أن تكون مبرأة من أي تعسف وارتجال في قراراتها؛ لأنها بمثل ذلك التعسف سوف تكشف أنها عاجزة عن العمل بقيم تدرسها لطلابها وتحفزهم على العمل بها. مثال ذلك ما بدر من جامعة الملك عبدالعزيز التي أحوجت موظفة إدارية لأن تلجأ إلى ديوان المظالم؛ كي ينصفها من قرار نقلها الذي أصدرته الجامعة، وما تلا ذلك القرار من منعها من التوقيع على دفتر الدوام في مقر عملها الذي قضت فيه 27 عاما، ومن ثم حرمانها من استلام راتبها بحجة عدم تنفيذها لقرار النقل الذي تدرك الجامعة أنه قرار لا يستند إلى النظام. وعلى الرغم من أن حكم ديوان المظالم بإلغاء قرار الجامعة القاضي بنقل الموظفة كان كفيلا بأن يعيد المسؤولين فيها إلى جادة الحق، إلا أن ما هو أسوأ من التعسف في حق تلك الموظفة تمثل في مماطلة الجامعة في تنفيذ حكم ديوان المظالم كما صدر، والعمل على تنفيذه جزئيا، كما اعترفت الجامعة، وفي ذلك مزيد من الإذلال للموظفة والتجاهل لحكم تم تمييزه وأصبح قطعيا ملزما مستوجبا النفاذ. ولم تجد تلك الموظفة بدا من الاستعانة بالإمارة لتنفيذ قرار ديوان المظالم، في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الخدمة المدنية أن قرار الجامعة باطل لا يستند إلى أي نص نظامي. إن مثل هذا التعسف لا يكشف عن جهل بالأنظمة، بل يؤكد على تجاهل أحكام قضائية واستغلال للسلطة، وهي مسائل لا تدل على شيء بقدر ما تدل على فساد إداري ينبغي أن تحاسب عليه الجامعة حسابا لا يتوقف عند حدود استرداد تلك الموظفة لحقوقها كاملة.