فرق كبير بين المتظاهرين أو المعتصمين في حديقة جيزي بإسطنبول وبين المحتلين لوزارة الثقافة في القاهرة. يقول الأتراك المحتجون "إننا جالسون بخيامنا وحقائبنا وأغانينا وكتبنا.. نغني كما نشاء ونكتب كما نشاء ونشرب كما نشاء". قبلها بيومين وقف هؤلاء متحدّين رئيس وزرائهم رجب طيب أردوغان وهم يحتسون الخمر مرددين "في صحتك يا طيب"!. ورغم صور التهور في المشهد المصري فإن أحدًا من الراقصين والراقصات لا يجرؤ أن ينطقها "في صحتك يا مرسي" أو نحو ذلك!. الليبراليون في مصر ليسوا غلاة لهذه الدرجة! في مصر يبالغ بعض الإسلاميين في رفض مظاهرة "تمرد" المقرر تنظيمها في 30/6/2013م لحد الإفتاء بأن "التمرد" هو "تمرد على شريعة الله"!. وينسى هؤلاء أن من بين المتمردين من يتمردون على بطء وتلعثم وارتباك المرحلة الحالية ومن يتمردون على عدم الوفاء بحقوق الشهداء والمصابين. ويستخف الليبراليون المصريون الجدد بالثورة وبالانتخابات وبالديموقراطية الى حد التأكيد على أنهم لن يعودوا يوم 30 الى بيوتهم قبل أن يسقطوه أو يسقطوهم أو يسقطوها! الرئيس ومنتخبيه والديموقراطية التي أتت به. واذا كان الإفتاء بهذا الشكل وعلى هذا النحو اجتراء أو تنطع في الفتوى لا يستقيم مع سماحة الشريعة التي ينادي بها هذا الفريق فإن التمرد بهذا الشكل وعلى هذا النحو اجتراء واحتقار لقيم الديموقراطية التي ينادي بها الفريق الآخر!. أفهم أن يتم شحن الشباب ودفعهم للتمرد وتعبئتهم بالثقة الشديدة في إسقاط الرئيس إلى حد إيقاف بعضهم للتاكسي صباح 30/6 والتحدث مع السائق على هذا النحو: فاضي يا اسطى؟ طب ممكن مشوار صغير لغاية الاتحادية أسقط الرئيس وأرجع!. وأفهم أن يعتبر المترددون والخائفون وأصحاب المصالح يوم 30/6 آخر فرصة للعودة لما كانوا عليه قبل 25 يناير.. لكني لا أفهم كيف يشرعن فلاسفة التمرد أحقية كل فرد أو كل جماعة أو حزب في الخروج لإسقاط الرئيس الشرعي المنتخب في أي وقت؟!. وهل تحسّب هؤلاء ليوم تعود فيه جماعات العنف لعنفها؟ وجماعات "الجهاد".. لجهادها الخاص بها؟! وهل تحتمل مصر خروج هؤلاء؟! أم أنهم اعتبروا تفوق الكابتن (رشا) على الكابتن (المغير) مقياسًا لسطوة وقوة غلاة الليبراليين على غلاة الإسلاميين؟! الواضح عندي أنهم لم يراعوا أي حساب لشعب وأي حساب لمصر!!. في هوجة 30/6 متمردون من نوع آخر، يتمردون على أي شيء وكل شيء يعيد الأمور إلى وضعها الصحيح! إنهم يتمردون مثلًا على تغيير منظومة القضاء باعتبار أنه كان ومازال شريفًا عفيفًا نزيهًا وشامخًا!. ويتمردون على أي محاولة لتغيير منظومة الإعلام باعتباره كان ومازال إعلام دولة وأمة تعتز بقيمها وتربي أجيالها على قيم الصدق والعزة والكرامة! ويتمردون على أي مساس بالفن وبالفنانين باعتباره واعتبارهم كانوا يسعون بالفعل في أفلامهم ومسلسلاتهم ومسرحياتهم لإعلاء قيم الجمال والنبل والأصالة!!. إنهم يتمردون على أي مساس بالثقافة السائدة في وزارة الثقافة.. ثقافة الاحتكار والانتقاء والترقية طبقًا لتقارير أمن الدولة وليس للمهارة أو الموهبة أو نحو ذلك!. سمعت قطاعًا من "المتمردين" يجعلونك تكره اليوم الذي سيصل فيه مثل هؤلاء لحكم مصر.. فالأستاذ العدل يؤكد "لن نحذف المشاهد الجنسية من الأفلام.. ومحدش يقولي -يقوله- حرام"! والأستاذ يوسف مستغرق في تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة بعد ثورة 30/6، فيما تتوالى الاقتراحات الخاصة بالوزارات المهمة.. كالإعلام الذي يتولاه السيد عكاشة مع الاعتذار لاسم ثروت عكاشة والثقافة للاستاذ العدل مع الاعتذار لقيمة العدل والشؤون الاجتماعية للاستاذة آثار الحكيم مع الاعتذار للحكمة! والأستاذ حازم مع الاعتذار لاسرائيل!. من الواضح على هذا النحو إن نفرًا كبيرًا من المصريين ممن أوهموا شعبهم أنهم يحبون ثورة 25 يناير ويخلصون لها قد ودعوها أو "ركلوها" في أول محطة، معلنين أنهم يقفون بقوة ليس مع حركة "تمرد" ولا مع مظاهرات "البلاك بلوك" ولا حتى مع "التيار الشعبي" وإنما مع ثورة 30/6!! إنهم مع الثورة التي لا تنطلق بمصر للأمام وإنما تعود بها للخلف! ولكم كان المصريون ظرفاء وحكماء وهم ينبهون ويحذرون مبكرًا "انتبه.. الثورة تعود للخلف"!. لقد نشط دعاة ثورة 30/6 التي تختلف كثيرًا في توجهاتها ومنطلقاتها ليس فقط عن ثورة 25 يناير وإنما عن طموحات الشباب "المتمردين" مبشرين بعودة كل شيء الى ما كان عليه!. في القضاء حيث يتوارث الأبناء والأحفاد المهنة مهما كانت ثقافتهم ولغتهم وأمانتهم! في الإعلام حيث يتواصل السقوط والتكور والتقزم.. في الثقافة حيث يتفشى الجهل والسطحية.. في الفن حيث الترويج لكل القيم الفاسدة بدعوى التحرر!! شيئًا فشيئًا يختفي الحديث عن ثورة 25 يناير وعن شهداء يناير وعن أهداف يناير.. انهم يعدون العدة لثورة جدية اسمها ثورة 30 يونيو.. ثورة يروغ فيها الذئاب بين الثعالب! وتنتشر فيها كل أشكال وأدوات الطعن في يناير بالأسنان وبالحوافر وبالمخالب! ثورة يتسلل فيها الليبراليون الجدد بصحبة الحرس القديم!. لقد استوعب كل هؤلاء المجروحين من يناير عُباب الصدمة الأولى وجاءوا للأخذ بالثأر من 25!.