كان في الشرق العربي أربع قوى تاريخية كبرى: مصر والسعودية والعراق وسوريا. الدول الأربع لها دائرتان أساسيتان، الإسلام والعروبة، ولمصر دائرة ثالثة هي أفريقيا. حاول العراق مسابقة السعودية في دائرة الخليج. وتنافس هو وسوريا على إقصاء مصر، قبل وبعد كامب ديفيد، واحد لاستعادة العصر العباسي وآخر للعودة إلى المجد الأموي. انحسرت مصر العربية ونأت متهاونة في بعديها العربي والأفريقي. واندفعت سوريا والعراق في كل اتجاه، وخصوصا ضد بعضهما البعض. وفي السبعينات ظهرت قوة سياسية إضافية هي القوة الفلسطينية التي كانت قد ولدت في القاهرة، ولكن مع عزلة مصر، تصارع حولها العراق وسوريا الباحثان عن توسع النفوذ والتحالفات في كل مكان. تركز البحث في الجوار المستضعف: لبنان المعتبر جزءا من سوريا والكويت المعتبرة جزءا من العراق. لم تلتفت بغداد ودمشق إلى أي معيار من المعايير الشكلية في التعامل مع دولتين مستقلتين. جعل العراق في سفارته 3 آلاف دبلوماسي، وهو رقم مهين لا سابقة له في التاريخ، وكان وزير خارجية سوريا إذا جاء القطر اللبناني يجتمع إليه في القصر الجمهوري رئيس الدولة ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة ومعهم جميعا وزير الخارجية. لم تكن معاملة «الثورة الفلسطينية» للدولة اللبنانية أفضل. كانت فرقة موسيقية خاصة تستقبل ضيوف أبو عمار الرسميين في مطار بيروت. وكان على اللبناني أن يحصل على إذن خاص لتفقد أرزاقه أو بيته، وغالبا لا يعطاه، حرصا على «أمن الثورة». غادرت المقاومة الفلسطينية بيروت إلى السودان واليمن. وانسحب الجيش السوري مرة واحدة. ولم يعد للعراق سفارة في الكويت ولا جيش دبلوماسي. وبعدما كان العراق وسوريا يتصارعان على الآخرين أصبحا ساحة صراع مدمر. لماذا؟ إذا أردتم جوابا واحدا، للاختصار، لأن هذه القوى لم تتصرف كدول تعمل بالقوانين والاتفاقات. لأن الغرور والاعتباط يهدمان كل شيء. لأن تطبيق مفاهيم وقواعد القرن العاشر في أواخر القرن العشرين، دليل جهل بالتاريخ، ودليل نقص في فهم مشاعر الناس واحترام كراماتهم. لذلك، العراق اليوم هو ما في العراق. وسوريا ما في سوريا. ومصر تنتظر مساعدة أخرى من قطر قبل ولادة المصري الذي يحمل الرقم واحد بعد المائة مليون في أواخر العقد. بقيت السعودية وحدها ضمن حدودها، وضمن كل المعايير والمقاييس الدولية، وأعتقد أن الذين كانوا يلومونها على «تحفظها» هم الآن نادمون.