لو كان أعضاء الشبكة التجسسية التي ألقي القبض عليها فقراء أو شبابا صغار السن لكانت المصيبة أهون، صحيح أن خيانة الوطن لا يمحوها أي تبرير، ولكن الظرف الاقتصادي الصعب وطيش الشباب قد يدفع الإنسان لارتكاب أخطاء فادحة؛ لأنه في وضع لا يمكنه من قياس الأمور بشكل صائب، ولكن المصيبة أن هؤلاء الجواسيس يعملون في وظائف مرموقة وأوضاعهم الاقتصادية جيدة، فما الذي يمكن أن تقدمه لهم إيران كي يعملوا ضد وطنهم ويسعوا بشكل أو بآخر لدمار أهلهم وناسهم. إيران لا تريد إلا صورة واحدة لحياتنا، بإمكانكم أن تدققوا في نسخ منها موجودة في العراق وسوريا ولبنان، وهو أن نتحول إلى مجموعات همجية يقتل واحدنا الآخر تحت رايات الكراهية الطائفية، هذا هو المستقبل الإيراني لكل غافل أو متغافل: شيعة يذبحون السنة، وسنة يفجرون الشيعة، وموت وفقر وجوع ولجوء ومجازر واغتصابات، لو كانت إيران مهتمة حقا بالشيعة العرب لما اضطهدت إخوتنا في الأحواز وسرقت بترولهم وسحقت هويتهم ومنعتهم حتى من تسمية أولادهم بأسماء عربية، لو كانت إيران حقا خائفة على الشيعة العرب لما وفرت الغطاء المكشوف لتنظيم القاعدة كي يفجر المزارات الشيعية في العراق. انظروا فقط إلى حزب الله كيف تحول من عنوان للبطولة والفداء إلى عنوان للخسة والدناءة، فأبطال الأمس يقادون اليوم كالعبيد إلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويقتلون أبناء القرى السورية التي احتضنت أسرهم في حرب تموز، فقط لأن إيران تريد أن تحمي كرسي بشار الأسد. بل إنهم يدركون في قرارة أنفسهم أن مغامراتهم السافرة في سوريا سوف تحرق لبنان وطنهم الأخضر الجميل الذي سيتحول إلى ساحة جديدة للحرب الطائفية المدمرة، وبالطبع لا يستطيع أعضاء حزب الله النأي بأنفسهم عن المشاركة بهذه الجريمة؛ لأن إيران حددت أدوارهم وانتهى الأمر. على أية حال، يجب أن نعترف بأن إيران حققت تقدما هائلا في مهمتها في العراق، وهي اليوم تسعى بكل قوتها للقضاء على سوريا، وقبل ذلك حرمت لبنان من فرصة بناء الدولة، وكما حرمت جيوبها في اليمن اليمنيين من تحقيق أي إنجاز بعد الثورة، وهي الآن تتجه بكل قوتها نحو دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، ولن يهدأ لها بال حتى تصبح دول الخليج مرتعا للمليشيات المتناحرة التي يديرها الحرس الثوري، ويتحول مشهد الجنائز الجماعية إلى مشهد عادي جدا في نشرات الأخبار. وأخيرا، نحيي رجال الأمن الذين كشفوا سر هذه الشبكة التجسسية، ونطالب وزارة الخارجية باتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه الدولة التوسعية العدوانية التي لم تحترم يوما علاقات حسن الجوار، وأظن أننا لن نجد وسيلة للدفاع عن استقرارنا وأمننا من خطر التدخلات الإيرانية أفضل من دعم إخوتنا في الأحواز ومساعدة إخوتنا في بلوشستان الذين يعانون مختلف صنوف القهر من النظام الإيراني، كما أن أكراد إيران يستحقون الدعم، كما أن الانتخابات الإيرانية القادمة كشفت حجم الانقسام داخل المجتمع الإيراني، كما كشفت عن حجم المهازل التي تدار تحت شعار الديمقراطية الثورية التي يوجهها الولي الفقيه، باختصار مشاكل إيران أكثر من أن تحصى، وهي تصنع المشاكل للدول المجاورة كي تهرب من واقعها المزري، ونحن أمام خيارين: إما أن نشغلها بمشاكلها، وإما أن تشغلنا بجواسيسها وعملائها!.