أثر الموروث الفكري والثقافي على الواقع الفقهي والقضائي والاجتماعي للمرأة قبل تقنين الأحوال الشخصية لابد من تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة وعن المرأة, د. سهيلة زين العابدين حماد - المدينة السعودية يُثار الجدل في الآونة الأخيرة حول تقنين الأحوال الشخصية, ومدى مشروعيته, وتقنين الأحوال الشخصية؛ إذ يرى البعض بضرورته لتباين الأحكام القضائية في قضايا متشابهة تباينًا كبيرًا, ولكن لم يُثر في هذا الجدل الدائر حول تقنين الأحوال الشخصية قضية جوهرية وأساسية, وهي انحياز بعص القضاة إلى الرجل إن كان خصمه امرأة, أو مجنياً عليها من قبل رجل, ويُنسب هذا الانحياز إلى شرع الله, ويُستدل بأحاديث موضوعة تارة, ومفردة تارة ثانية, وضعيفة تارة ثالثة, أو لا إسناد لها تارة رابعة, ولا يُشار إلى ذلك, بل قرأتُ صك طلاق لعدم الكفاءة في النسب مستندًا القاضي فيه على حديث موضوع, تُشتت أسرة بكاملها بالاستناد على حديث موضوع لأنّه يوافق أعراف وعادات قبلية لا تمتُّ للدين بصلة! وتصدر أحيانًا أحكام فقهية وقضائية مبنية على مفاهيم خاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة لإعلاء شأن الرجل وجعله أفضل من المرأة , وبموجب هذا التفضيل يؤخذ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة والشاذة والمفردة , التي تتفق مع هذا التفضيل الموهوم الذي يتنافى مع عدل الخالق لخلقه, وتتفق مع أهواء الرجل وأعراف وعادات وتقاليد قبلية جاهلية لا تتفق مع الإسلام وشريعته, فلا قيمة لهذا التقنين, ولا أهمية له طالما اعتبر الرجل نفسه الأفضل عند الله, والذي فسّر القرآن, وتناقل الأحاديث الضعيفة والمنكرة والشاذة والمفردة, واستند عليها في أحكامه الفقهية, متناسيًا قول الخالق جل شأنه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) هذا وعند تتبعنا لأوضاع المرأة في الشرائع والديانات السابقة للإسلام، نجد أنّها قد وجدت التعظيم والاحترام، وحظيت بالتمتع بشخصيتها المادية والأدبية داخل البيت وخارجه عند الطبقات الحاكمة والغنية لدى المصريين القدماء، وعرب الجاهلية ،وسمح لها النظام الزرادشتي بحق اختيار الزوج، ومكَّنها قانون حمورابي من التصرف المالي، ولكن مقابل ذلك أسيء لها كثيراً في أغلب الحضارات الأولى ، وتحمَّلت ألواناً من التعسف في ظل كثير من النظم الأخرى ، فقد أنكر الهنود والبربر واليونان إنسانيتها ، وزوجوها دون استشارتها، وحرموها من الإرث والتصرف المالي بصفة عامة، وسلطت عليها أحكام قاسية، فدفنت عند بعض العرب رضيعة، وعند الآشوريين والمصريين والهنود بعد وفاة الزوج -أو حرقها مع الزوج عند الطوائف المجوسية- ،بمجرد الشبهة والشك في طهارتها. وخلاصة القول: إنَّ المرأة قبل الإسلام في جميع الشرائع والأديان: 1-قد أُلحقت بها تهمة الخطيئة الأزلية. 2-نفيت إنسانيتها ،واعتُبرت مخلوقاً نجساً. 3-حرمت من الأهلية الحقوقية والمالية. 4-أنَّها أمة للرجل خلقت لخدمته ومُتعته. 5-أنَّ الرجل هو الذي يمنَّ على المرأة بما يهبها من حقوق، وما يسلبه منها، فهو المشرِّع ،وواضع القوانين. هذا هو الموروث الفكري والثقافي الذي ورثه الرجل عامة أيًا كانت ديانته, وللأسف الشديد أنّ من الرجال المسلمين لم يتخلّصوا من هذا الموروث الفكري والثقافي؛ إذ بات مسيطرًا على أفكارهم سواءً كان منهم مفسرًا للقرآن الكريم, أو محدثًا, أو فقيهًا, أو قاضيًا, وأنا هنا لا أتجنى على أحد , ولدي نصوص من كتبهم وأحكامهم تثبتُ ما أقول, منها على سبيل المثال لا الحصر تفسير الإمام ابن كثير لقوله تعالى{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ}[الزخرف: 16] “كذلك جعلوا له (لله) من الأولاد أخسهما وأردأهما وهو البنات"، ونجد الزمخشري أيضاً يعتبر الإناث أخس من الذكور، فيقول:" قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات، وذلك أنّهم نسبوا إلى الله الولد، ونسبوا إليه أخس النوعيْن ،وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله فاستخفوا بهم واحتقروهم. فقبل تقنين الأحوال الشخصية لابد من تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة وعن المرأة, وذلك بتنقيته من نظرة الرجل المتعالية على المرأة , وبتصحيح المفاهيم للآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الأسرية, واستبعاد جميع الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشّاذة والمفردة من الأحكام الفقهية والقضائية.