بعدما انتهيت من تسليط الضوء على أكبر التحديات التي تواجه منظومة الإصلاح التي تشهدها بلادنا، والمتمثلة في الفساد الإداري والمالي والبطالة والفقر والمرأة، وبيان كيفية التغلب عليها، لي رؤية حول متطلبات الإصلاح ألخصها في : أولاً: مجلس الشورى: بإشراك المرأة في عضويته تفعيلاً للمادة الأولى من نظامه، والتي جاء فيها :» عملاً بقوله تعالى (فَبِمَا رَحمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضُّواْ مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ ) وقوله سبحانه:( وَالَّذِينَ استَجَابُواْ لِرَبِّهِم وَأَقَامُواْ الصَّلَاة وَأَمرُهُم شُوَرى بَينَهُم وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ) واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشاورة أصحابه وحث الأمة على التشاور». وآيتا الشورى جاءتا بصيغة العموم شاملة الرجال والنساء ولم تأت خاصة بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقصر الشورى على الرجال فقط ،فقد طلب المشورة من زوجه السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في أمر الوحي، وأخذ برأيها، كما أخذ برأي زوجه أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية، وكلاهما أمران عظيمان من أمور الدين والأمة، ولا يختصان في أمور النساء، ووجود اثنتي عشرة مستشارة في المجلس لا يعد تفعيلاً لهذه المادة، لأنّ المستشارة لا تتمتع بذات الحقوق والصلاحيات التي يتمتع بها العضو هذا من جهة، ومن جهة أخرى فعددهن لا يتناسب البتة مع أعداد أعضاء المجلس ، مع مضاعفة أعضاء المجلس بحيث يكون للنساء 49% مقعداً، وهي نسبة النساء السعوديات في التعداد السكاني، الأخير مع منح المجلس صلاحيات سن وتعديل أنظمة وقوانين، ومساءلة الوزراء. ثانياً: الخطاب الديني نحن في حاجة ماسة إلى خطاب ديني معتدل قائم على فهم صحيح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة لا يخضع لعادات وأعراف وتقاليد للقضاء على التطرف الديني فنحمي بلادنا من الإرهاب، ونرفع الظلم الذي اوقعه البعض على المرأة باسم الدين، ثالثاً: المجمع الفقهي من أهم خطوات الإصلاح التي خطاها خادم الحرميْن الشريفين إنشاء مجمع فقهي، وأرى أن يكون أعضاؤه فقهاء وفقيهات معتدلين يمثلون جميع مناطق المملكة، كما يمثلون المذاهب الأربعة، إضافة إلى وجود فقهاء يمثلون المذاهب الاخرى، مع ضمّ إليه مختصين ومختصات في السنة والسيرة النبوية والطب والقانون والاقتصاد وعلمي النفس والاجتماع ،ومن مهام هذا المجمع إصدار مدونة للأحوال الشخصية تأخذ بالأيسر من المذاهب، وبالاجتهادات الوسطية المعتدلة في القضايا المعاصرة، وإلغاء الأحكام الفقهية المبنية على مفاهيم خاطئة لآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة، أو أحاديث ضعيفة وموضوعة ومنكرة، كما هي الحال في أحكام العضل والحضانة والخلع والتطليق لعدم كفاءة النسب، على أن تنسجم هذه المدونة مع الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها المملكة، على أن تتضمن تجريم العنف الأسري، وتحديد سن 18 كحد أدنى للزواج للجنسين، واعطاء المرأة حق تزويج غيرها، والفتاة البالغة سن 25 سنة حق تزويج نفسها إن عضلها وليها، وإعطاء المطلقة الصالحة للحضانة حق حضانة أولادها إلى أن يتزوجوا، واعتماد الحمض النووي في إثبات النسب ، ونسب طفل اللعان، مع تقنين التعزيرات بما فيها عقوبات الجلد بحيث لا تتجاوز الحدود، وصياغة نظام جديد للمحكمة التجارية ، وإلغاء النظام الذي وضع قبل 82 عاماً، ووضع قانون للأخطاء الطبية يعتمد التعويضات المالية عن الأضرار النفسية والمالية لفقد المريض نتيجة خطأ طبي، مع جعل دية الأنثى كالذكر لقوله تعالى ( من قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة لأهله) على أن تقدر التعويضات والديات بما يتفق ومكانة الإنسان وقيمته، فلا تكون دية الحيوان 10 أضعاف دية الذكر و20 ضعف دية الأنثى كما حكمت بذلك إحدى محاكمنا بالمنطقة الشرقية. رابعا: القضاء: الإجراءات التي تمّت لتعديل النظام القضائي كثيرة ولكن من الاهمية بمكان تعديل مناهج كليات الشريعة والمعهد العالي للقضاء، تلك المناهج المبني عليها فكر وأحكام بعض القضاة ونظرتهم إلى المرأة، وهي للأسف نظرة قائمة على أنّ المرأة مخلوق أدنى والرجل مخلوق أعلى، وأنَّها خُلقت لمتعة الرجل وخدمته، وأنّ للرجل كل الحقوق على المرأة، أمّا المرأة فواجباتها نحو الرجل أكبر من واجباته تجاهها، وإن كانت لها حقوق عند الرجل فلا يأخذها لها منه، لأنّ الرجل في نظره أفضل من المرأة، وأنّه دائماً على حق، وهذا يفسر لنا أنّ البعض من القضاة لا يستمعون إلى المدعيات والمدعى عليهن ،وينحازون في أحكامهم للرجل ضد المرأة، وإصدارهم أحكاما قضائية مضيعة لحقوق المرأة كالحكم القضائي الصادر من المحكمة العامة بالمدينة المنورة ،والذي صادقته محكمة التمييز بصرف النظر عن دعوى العضل التي رفعتها طبيبة ضد والدها حتى تجاوزت 43 عاماً، واعتبارها عاقة له لرفعها قضية عضل ضده. مع الإسراع في تفعيل قرار إنشاء المحاكم المتخصصة، وفي مقدمتها محكمة الأحوال الشخصية، واعتماد بطاقة الأحوال الشخصية للمرأة لإثبات هُويتها، وإلغاء المعرفيْن المشترط توفرهما للتعريف بها، وقبول شهادتها، والسماح لها بحضور جلسات كتابة عدل الخاصة بها، والعمل على تعيين قضاة كل مدينة من أبنائها، فهم أدرى بأحوال أهل مدينتهم وظروفهم، وتحقيق المعادلة الصعبة بحيث يتناسب عدد القضاة مع القضايا المرفوعة لضمان سرعة إنجازها، وإنشاء محاكم مختصة لجرائم الأحداث وإلحاق بها لجان نسائية متخصصة في الشريعة والقانون وعلمي النفس والاجتماع، وتوحيد سن المساءلة القانونية والجزائية للجنسين ليكون سن الثامنة عشرة، وتطوير القضاء التجاري بحيث يتفق مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية، والعهد الدولي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المقدمة للمملكة على التصديق عليها، وإنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضايا الأخطاء الطبية، مع إلغاء الهيئات الصحية الشرعية وإنشاء محاكم عمالية للنظر في قضايا العمالة الوافدة، وكذلك محاكم عقارية لحل النزاعات والخلافات بين الملاك والمستأجرين ،مع تقنين هذه العلاقة بحفظ حقوق الطرفيْن. [email protected]