د.صلاح بن فهد الشلهوب - الاقتصادية السعودية كما هو معلوم أنه بطبيعة الحياة ليس هناك أمر يدوم على حال، فمسألة الارتفاع والنزول أمر تقتضيه سنة الحياة، فليس هناك ارتفاع دائم ولا هبوط مستمر إلا فيما ندر من بعض الأمور. ولما كثر الحديث عن احتمال ما قد يصفه البعض بهبوط أو انهيار في أسعار العقار وانتهاء مسألة الاحتكار التي كانت سببا في الارتفاع الكبير الذي شهده العقار في الفترة الماضية التي جعلت من الحصول على منزل أمرا صعب المنال ووصلت أسعار المنازل إلى مستويات لم يكن يتوقعها المواطن، حيث تضاعفت الأسعار خلال فترة وجيزة، وذلك بشكل رئيس يعود إلى ارتفاع أسعار الأراضي، إضافة إلى الارتفاع في أسعار مواد البناء وارتفاع تكلفة الأيدي العاملة في السوق المحلية. يتحدث البعض عن احتمال انهيار العقار إلى نسب عالية، وذلك لاحتمال وجود إجراءات مستقبلية تفرض رسوما على الأراضي البيضاء، إضافة إلى الزكاة، وهذا قد يمنع من ارتفاع أسعارها، بل سيحفز منع الاحتكار للأراضي لمن لا يحتاج إليها, ولا يرغب في تطويرها على المدى القريب أو حتى المتوسط، خصوصا أن هذه الأراضي تتمتع بوصول جميع الخدمات إليها وقربها من المؤسسات الخدمية كالمؤسسات التعليمية والصحية وغيرها. لكن السؤال هنا هو: هل ما سبق يكفي للقول إن الأسعار فعلا ستنخفض كما يتوقع البعض وإلى أي حد ستنخفض؟ الأمر الذي ينبغي أن يحكم ذلك هو العوامل المؤثرة في الأسعار ولا ترجع إلى العواطف أو رغبة الأفراد، إذ إن الفترة الماضية خالفت جميع التوقعات إلى أن أصبح لدى المجتمع قناعة، حينها الأسعار ستستمر مرتفعة وانتظار الانخفاض ما هو إلا مبلغ إضافي سيتحمله المحتاج إلى الأرض بسبب استمرار الأسعار في الارتفاع، خصوصا في المناطق التي يرغب الأفراد في التملك فيها. وإذا ما نظرنا إلى العوامل المؤثرة في الأسعار نجد أنها متعددة، وقد يعزز بعضها احتمال الارتفاع، كما أن البعض الآخر يعزز احتمال النزول ومنها مسألة إقرار نظام الرهن العقاري، إضافة إلى برنامج صندوق التنمية العقاري الذي يمكن المواطن من الحصول على تمويل إضافي من المصارف في المملكة لتوفير ما يكفي من التمويل للأفراد لشراء المنازل مباشرة بدلا من إعطاء تمويل بقدر 500 ألف ريال للبناء لمن يملكون الأرض، كما أن حجم الطلبات الكبير، إضافة إلى الاحتياج العام للمواطنين إلى السكن وإلى النسبة الكبيرة من الأسر التي لا تملك سكنا، كل هذه عوامل تجعل من احتمال بقاء الأسعار مرتفعة قائما، خصوصا إذا ما أضفنا عوامل تتعلق بالنمو الاقتصادي للمملكة، حيث إن أسعار النفط ما زالت جيدة وما زالت الحكومة تستثمر وتضخ بسخاء على المشاريع التنموية، كما أن كثيرا من المشاريع أصبحت على وشك التشغيل، ما يحدث فرصا أكبر لتوظيف المواطنين، بل يوجد فرصا من الوظائف الجيدة، كما أن التحسن المستمر لدخل المواطن بناء على دراسات في هذا المجال، كل ذلك يعزز احتمال زيادة الطلب على المساكن. في الجانب الآخر يعول البعض على احتمال فرض رسوم على الأراضي، إضافة إلى الإلزام بالزكاة، كما أن المشاريع العملاقة التي تعمل عليها وزارة الإسكان لتوفير السكن المناسب للمواطنين، كل ذلك سيعالج مسألة الاحتياج والزيادة في الطلب على السكن، وبالتالي سيعالج الزيادة في الطلب على العقار. الحقيقة أن انخفاض أسعار العقار ليس في حد ذاته هدفا، والقضية الأساس هي تمكن المواطن من تملك السكن، وللدول في العالم ممارسات مكنت المواطنين من تملك السكن دون التأثير في أسعار العقار بصورة واضحة سلبا أو إيجابا، والربط بين السعي لانخفاض الأسعار لتمكين المواطن من تملك المسكن قد يولد مشكلات تتعلق بالإضرار بقطاع يستقطب استثمارات كبيرة، إضافة إلى أن انخفاض أسعار الأراضي لا يضمن استقرار العوامل الأخرى المؤثرة في أسعار السكن كمواد البناء والقوى العاملة. وبناء على ما سبق ينبغي فيما يتعلق بمشكلة السكن التركيز على الوسائل التي تعزز تملك المواطنين للمساكن، الذي تعمل عليه وزارة الإسكان من إنشاء المشاريع السكنية، إضافة إلى الاستمرار في استكمال البنى التحتية التي تجعل من السكن في الضواحي أو المدن القريبة للمدن الرئيسة أمرا ميسرا، ومن الملاحظ أن كثيرا من العواصم العالمية يزداد الناس فيها في النهار مقارنة بفترة المساء، بسبب أن الأفراد يقدمون إليها للعمل من الضواحي ويعودون إلى منازلهم في المساء. إضافة إلى تعزيز توزيع المشاريع التنموية بين المدن، خصوصا الصغيرة، بما يعزز الهجرة إليها التي يوجد فيها بنى تحتية مناسبة وتتوافر فيها خدمات مقاربة للخدمات في المدن الرئيسة. كما أنه من المناسب في إجراءات مثل إقرار الرسوم على العقارات أن يمكن من التحول من الاستثمار في تطوير الأراضي إلى الاستثمار في تطوير وبناء أحياء سكنية متكاملة الخدمات ومناسبة لاحتياج المواطنين. أما فيما يتعلق بأسعار العقار واحتمال الانهيار فإنه غير متوقع، لكن من المحتمل أن يميل إلى الاستقرار أو الانخفاض المتوازن، خصوصا مع النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة حاليا الذي عزز استقطاب الاستثمارات. الخلاصة أنه توجد عوامل تعزز احتمال استقرار أو ارتفاع العقار وعوامل أخرى يمكن أن تؤثر في أسعاره ليميل إلى الانخفاض، لكن الأهم لتمكن المواطن من الحصول على مسكن هو عدم التركيز على أسعار العقار بقدر ما يتم التركيز على تعزيز مشاريع الإسكان واستكمال البنية التحتية، خصوصا في النقل.