الكثير من القراء الكرام سيخالفونني الرأي حول مدى تأثير مشاريع الإسكان الجديدة على أسعار العقار بعد توزيعها وفق الآلية التي كُشف عنها بأن الأولوية ستكون للأقل دخلاً وللعمر وللأسر الأكثر عدداً والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بسبب التناول الإعلامي لأزمة السكن وارتفاع أسعارالعقار والإيجارات لمستويات خيالية وتأكيد المسئولين والخبراء بأن أسعار العقار ستنخفض فور تنفيذ تلك المشاريع، والمطالبة بتوزيع وحداتها السكنية على الفئة الأشد احتياجاً وهي التي لا يستهدفها أساساً تجار العقار لعدم توفر السيولة لديها! وبعيداً عن النظرة العاطفية في حل هذه المشكلة التي تعاني منها شريحة واسعة، فإن الهدف من بناء مشاريع وزارة الإسكان – وليست الجهات الخيرية والاجتماعية - لا يتحقق بالانتهاء من أعمال التنفيذ بل يعتمد على مناسبة الموقع لتلبية الاحتياج وآلية التوزيع التي تم تجاهل تأثيرها الكبير على أسعار العقار سواء بالانخفاض أو الارتفاع،في ظل ثبات العوامل المؤثرة كاستمرار ضخ المشاريع والاستقرار بالمنطقة. والغريب أن تأكيد المحللين المطلق بتأثير بناء ال (500) ألف وحدة على أسعار العقار أعطى مؤشرات غير صحيحة للمسئولين بأن أسعار الأراضي ستنخفض بشكل مؤكد، وأنه لا توجد حالياً حاجة لضخ المزيد من السياسات والقرارات لتخفيض أسعار العقار سواء بالإسراع في تطوير أراضي المنح أو رفع عدد الأدوار للفلل أو اعتماد مخططات لزيادة العرض..الخ! مع علم الجميع بأن تلك المشاريع تحولت لدى الوزارة كعبء نفسي أمام المواطنين والإعلام لسرعة تنفيذها على أي أراض متاحة سواء خارج القرى والهجر أو على ضفاف الأودية! وهو ما يضعف تأثيرها بحل أزمة السكن بالمدن الكبيرة والتي يجب أن يكون بأسس لا تعتمد على العاطفة أو خبير أجنبي لا يعلم بخصائص المجتمع وشرائحه! وعبر استثمار المبالغ المخصصة للإسكان لتكون أداة لرفع نسبة التملك وتوفير السكن بأسعار مناسبة وليس هدفاً يتحقق بالبناء في أي مكان وتوزيعها لإقفال ملفها! فالأزمة سرعان ما ستعود من جديد بسبب أن الطبقة الوسطى وجميع الموظفين الجدد مازالوا محتاجين للسكن وهدفاً لتجار العقار بأسعاره المرتفعة. فوزارة الإسكان بحاجة إلى التعامل مع مشكلة السكن بواقعية أكثر فهي ليست جهة خيرية ستوزع وحداتها مجاناً على الأكثر احتياجا كما يعتقد البعض، ففي حال توزيع الفلل والشقق ستجبرهم على سداد قيمتها حوالي (20) ألف ريال سنوياً وهم يعانون حالياً لانخفاض دخلهم وزيادة عدد أفراد أسرهم من إيجارات أقل من 15 الف ريال لبيوت شعبية وشقق متهالكة، وسيعانون بسبب نوعية السكن الجديد من ارتفاع فواتير الكهرباء، كما أن مواقع الإسكان خارج المدن وبعيدة عن مكان عمل كبار السن بتلك الفئة، ولذلك فإن الأمر يستلزم إعادة النظر في معايير توزيع الإسكان ككل وعبر تخصيص جزء من المشاريع للفئة المحتاجة بالبناء وسط الأحياء المكتملة الخدمات والشعبية (مناطق عملها) وبمساحات معقولة وتكلفة أقل ولا يشترط مجمعات كبيرة تحتاج أراضيها لسنوات من التطوير والتأهيل، وبحيث يتم إقامة معظم المشاريع بالمدن الأغلى سعراً للأراضي والإيجارات وتوزيعها على مختلف شرائح المجتمع سواء بالأقدمية أو بمعايير أخرى لا تحصر المستفيدين في شريحة واحدة، وذلك حتى تكون مشاريع الإسكان أداة ضغط ترفع المعروض من الوحدات السكنية الجديدة للفئة المقتدرة نسبياً التي يستهدفها تجار العقار والمطورون وتستفيد الفئة الأقل من الوحدات التي ستشغر من الطبقة الوسطى لتحسين بيئة سكنها بأسعار أقل كوحدات إضافية لهذه الفئة، لكون حصر التوزيع على شريحة محددة سيلغي تأثير تلك المشاريع، وسيجبر معظم المواطنين على قبول أسعار ملاك الأراضي والذي يدعمه الرهن العقاري وعشرات الآلاف ممن لا يملك أرضا والموافق على إقراضهم من الصندوق العقاري، بل قد يتسبب اعتماد توزيع جميع مشاريع الإسكان على الفئة الأقل دخلاً والمحتاجه في ارتفاع أسعار العقار أكثر وتضرر المزيد منهم لانتفاء أي أثر لتلك المشاريع التي أخافت عند الإعلان عنها تجار العقار ولكن سرعان ما طمأنتهم آلية التوزيع التي لن تضيف أي وحدات جديدة مؤثرة على العقار لكون من يسكن بيوتا شعبية وشققا صغيرة حالياً سينتقل للسكن الجديد ولن تستفيد الطبقة الوسطى مما يشغر من مساكن والتي سترفع فقط المعروض بالأحياء الشعبية لسكن العمالة الأجنبية!.