من المسلم به أن السياسي تتاح له مساحة واسعة للمناورة عندما يكون في المعارضة، إذ لا يوجد عليه ضغوط من أي نوع، ولذا تجده يبالغ في نقده للحكومة القائمة، وفي بعض الأحيان ينسى أنه قد يحكم يوماً، ويكون خصمه في المعارضة، ويعني هذا أن ينقلب سحره عليه، ومن المفارقات في عالم السياسة أن كثيراً من مشاهير الساسة وقعوا في هذا المطب، ولا يمكن أن ننسى ورطة الرئيس الأمريكي بوش الأب عندما وعد بعدم رفع الضرائب في عام 1988، ثم نكث بوعده، وحدث الشيء ذاته مع ساسة آخرين في طول العالم وعرضه، وهو أمر أصبح معتاداً من قبل الجماهير، ويمكن تقبله، ولكن ما لا يمكن تقبله هو أن يعير المعارض السياسي خصمه باسم «الدين»، ثم عندما يتولى السلطة يرتكب ذات الأفعال التي عير بها خصمه، بل وربما يزيد عليه. هذا تحديداً ما حصل مع تنظيم الإخوان المسلمين في تونس ومصر، فقد شنع أعضاء التنظيم عندما كانوا في المعارضة بمبارك وابن علي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بالغرب، أو التبعية له حسب أدبياتهم، وكذلك العلاقة مع إسرائيل، وغيرها من القضايا السياسية، والاجتماعية، وكانت الصورة التي يراد رسمها من قبل تنظيم الإخوان عندما كانوا في المعارضة هي «علمانية» الحاكم، مع لهذه المفردة من تأثيرات سلبية في وجدان المواطن العربي، ولا تزال تلك الحملة الشرسة التي شنها الإخوان على مبارك أثناء ضرب غزة قبل الأخير حاضرة في الأذهان، ثم بعد أن جلسوا على كرسي السلطة قلدوا مبارك، وابن علي في كل ما عايروهما به من قبل، ولا أحتاج لتذكيركم بموقف حكومة الإخوان في مصر من ضرب غزة الأخير، أو تصرفهم فيما يتعلق بمعابر غزة! الشيخ الغنوشي بدوره، والذي لم يترك مناسبة إلا وعاير فيها ابن علي بتبعيته للغرب، وعلاقته الخاصة بإسرائيل، وسياساته الداخلية المنفتحة، لم يكد يرى كرسي السلطة ماثلاً أمامه، وهو الحلم الذي انتظره طويلاً، حتى تخلى عن كل ما كان يردده في زمن ابن علي، فزيادة على آرائه «المنفتحة» في الكثير من القضايا الاجتماعية! كان مستبشراً عندما اختارته مجلة الفورين بولسي اليمينية الأمريكية كأحد أبرز المؤثرين لعام 2011، وطار من فوره إلى الولاياتالمتحدة ليحضر الحفل الضخم التي أقامته المجلة، ولعله لا يكون شاقاً عليكم أن تشاهدوا فيديو ذلك الحفل في «قوقل»، فقد يكون هذا أبلغ من أي حديث، ومثل هذا فعل إخوان مصر فيما يتعلق بالعلاقة بالغرب، وإسرائيل على وجه الخصوص، ولا أظني بحاجة لذكر أحداث بعينها، وإن كانت «الرسالة» الشهيرة تغني عن أي حديث، وما أريد التأكيد عليه هو أن للسياسي في المعارضة كل الحق في أن ينتقد خصمه الحاكم، ولكن عليه أن يتذكر أن «المزايدة باسم القيم الدينية» قد ترتد عليه ذات يوم، وهذا ما حصل لتنظيم الإخوان بعد ثورات الربيع العربي.