لقد تحدثت كثيراً عن الثورات العربية، وتوقفت طويلاً عند اختيار مجلة الفورين بولسي الأمريكية لأبرز مفكري العالم، وهي النشرة التي أسسها المفكر الأمريكي صامويل هنتنقتون صاحب صراع الحضارات، وكان في أوائل هذه القائمة السيد أو الشيخ محمد خيرت الشاطر، وقلت حينها إن هذا قد يكون مقدمة لدور سياسي كبير لهذا الرجل، فنحن نعلم أن مصر دولة مهمة في منطقة متفجرة، ولا يمكن أن تسمح القوى العالمية بأن يتسنم زمام الأمور فيها إلا من تثق به، وتراه أهلاً لهذه الجائزة الكبرى. والإعلام الغربي دائماً هو الترمومتر الذي نعرف من خلاله وجهة نظر المؤسسات الرسمية في العالم الحر عن الشخصيات البارزة حول العالم، وهذا الإعلام له جبروت عظيم على الإنسان الغربي، فقد يحول الشيطان المارد إلى ملاك، وقد يفعل العكس، فيحول الزعيم الحر إلى إرهابي وهتلر آخر تجب إزالته من الوجود، وكذلك المنظمات والحركات، فتلك التي تبحث عن الحرية لشعوبها ليست كلها حركات تحرير في نظر الإعلام الغربي، فبعضها تصنّف على أنها منظمات إرهابية، حسب موقعها الجغرافي، واعتبارات أخرى لا تخفى على ذي لب. شخصياً، لم أتفاجأ بترشيح إخوان مصر لخيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة، فقد كان واضحاً - منذ اختيار الشيخ الغنوشي من قبل المجلة ذاتها كأحد أبرز المفكرين، وحضوره لاحتفالها الضخم في أمريكا، والاحتفاء الكبير به، مع مجموعة المفكرين الذين كان لهم دور كبير بالثورات العربية كوائل غنيم وتوكل كرمان، - أن الإخوان سيكونون في صدارة المستقبل العربي، وقد تم ذلك، فقد فازوا في تونس ومصر وليبيا، وحتى في البلاد التي لم تصلها الثورات بعد كالمغرب والكويت، ولذا فإن ترشح الشيخ الشاطر كان إكمالاً لهذا العقد، الذي سينطبق على رقابنا طويلاً، سواءً رضينا أو أبينا، فالصورة أوضح من شمس النهار لمن أراد أن يتدبر تسلسل الأحداث وملابساتها. يعتقد البعض أن خلافاً حدث بين المجلس العسكري والإخوان، وتم على أثره ترشيح الشاطر بعد أن نكث الإخوان بوعدهم، ومع أن هذا وارد إلى حد ما، إلا أن المؤكّد أن هناك تحالفاً بينهما لا تخطئه العين، وذلك منذ تنحي مبارك وحتى اليوم، فقد كان الإخوان في صدارة المشهد السياسي بمباركة المجلس في كل خطوة تم اتخاذها، ما قد يعني أن ما يجري الآن قد خطط له بعناية فائقة. وختاماً، لسنا ضد وصول الإخوان للسلطة، ولكننا نستغرب تقاربهم مع الغرب، وهو الذي كانوا يعتبرونه عدواً مبيناً، ويعيّرون غيرهم بالعمالة له حتى وقت قريب. فاصلة: المخادعة..هذا ما يسميه الناس حول العالم بالرومانسية .. أوسكار وايلد