«النبل» من الصفات الجميلة التي لا يقدر عليها إلا كبار الناس، وأعلى درجات النبل هو العفو عند المقدرة، ولذا فإن الناس نادراً ما تتحدث عمّن انتقم من عدوه، لأن هذا هو المتوقع. هذا، ولكنهم يتوقفون ويتحدثون كثيراً عند قصص العفو، بل إن الركبان تروي مثل هذه الحكايات بما يشبه رواية الأسطورة، ويتناقلها الناس جيلاً بعد جيل، فما زالت كلمة نبينا عليه السلام يوم الفتح: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» حيَّة في الوجدان، وستظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فكيف يا ترى فات كل ذلك على الإخوان المسلمين في مصر بعد وفاة اللواء عمر سليمان؟ لست هنا أدافع عن اللواء سليمان، وإن كنت أظن أنه كان رمزاً وطنياً مخلصاً ونزيهاً، لم يستطع أعداؤه بعد الثورة أن يجدوا عليه اتهاماً واحداً، سواء تعلّق الأمر بذمته المالية، أو سجلاته الأخرى، ومع ذلك فإن موقف المرشد العام للجماعة وحكومته لم يكن موفّقاً على الإطلاق، فقد كانت رائحة الانتقام تفوح من تصريحاتهم، وأثاروا غضباً عارماً في الشارع العربي، وليس الشارع المصري فقط، وكان مؤلماً أن يتكفّل مواطن مصري بنقل جثمانه من أمريكا إلى مصر، مع أن العادة جرت أن تتولى الحكومات مثل هذا الإجراء عندما يتعلّق الأمر بالرموز الوطنية، ولكن الإخوان خانهم التوفيق، مع أنه كان بإمكانهم - لو كانوا يفقهون أبجديات السياسة - أن يسجّلوا موقفاً يطمئن مواطني مصر بأنهم أسمى من الخلافات، وبأنهم لا يفرّقون بين أتباع الجماعة، وبقية فئات الشعب، ولكن شاء الله وما قدَّر فعل. الغريب أن معظم تصريحات الإخوان كانت تتهم اللواء سليمان بأنه رجل أمريكا! ولا أدري كيف فات عليهم ما تكتبه وسائل الإعلام الأمريكية عن جماعة الإخوان، فقد نشرت تقارير كثيرة تشيد بهم، وتؤكّد على أنهم تعهدوا بالحفاظ على العلاقات المتميّزة مع أمريكا، ثم كيف تأتي تصريحاتهم ضد سليمان، بعيد أيام فقط من زيارة السيدة هيلاري كلينتون لمصر، والتي طارت من عندهم إلى تل أبيب لتطمئن الإسرائيليين بأن حكومة مصر قد تعهدت بالحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد! ولا أدري ما الفرق بين هذا، وبين ما يتهم اللواء سليمان - رحمه الله- به؟! وفي الأخير، أتمنى أن يعيد أعزائي أعضاء تنظيم الإخوان قراءة القائمة التي نشرتها مجلة الفورين بولسي الأمريكية المتطرفة، والتي أسسها صامويل هنتنقتون، فإن لم تخن الذاكرة فهي أدرجت قيادات الإخوان في قائمتها الشرفية لأبرز زعامات العالم لعام 2011، وأظن أن السيد خيرت الشاطر - مرشح الإخوان السابق للرئاسة- كان أحدهم، فليس عمر سليمان وحده هو رجل أمريكا، أم أنني مخطئ؟ فاصلة: «التصرفات النبيلة صعبة المنال ونادرة»... باروش سباينوزا. [email protected] تويتر @alfarraj2