عبد العزيز محمد قاسم - الوطن السعودية من المهم الأخذ بما يطبق في الدول الغربية، حيال كشف الأرصدة بالنسبة للمسؤولين الذين يتسنمون مناصب لها علاقة بالخزينة، بدءا بالوزير وانتهاء بكاتب العدل في أصغر محكمة بأقصى مدينة سعودية أحسب لرئيس هيئة مكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف شجاعته الأدبية، وشفافيته في حواراته الإعلامية، والرجل كان حديث المجالس النخبوية، بما قاله في ورقته التي ألقاها قبل أسبوع في "الجنادرية"، بأن: "اختلاس المال العام هو أكثر أنواع الفساد". أنا أحد الذين فوجئوا بهذه الحقيقة المرّة، إذ أدرك أن ثمة اختلاسات ونهبا للمال العام، لكني لم أظن أبداً أنها الأكثر تفشياً، أو ربما كانت ثقافتي الضحلة – وغيري- حيال مفهوم المال العام، السبب في مفاجأتي. بيد أن الاقتصاديين والخبراء الذين كنت أستشرف آراءهم حيال ذلك التصريح، كانوا يؤكدون أنهم لم يفاجؤوا إطلاقاً بتلك الحقيقة، فنهب ذلك "الكلأ المباح" نزيفٌ يعاني منه الوطن، رغم كل الاحتياطات التي وضعتها الدولة. كان الحديث عن المال العام قبل حقب من الخطوط الحمراء، التي لم نك نجرؤ الاقتراب منها، ولكن مع هذه الشفافية والحرية النسبية التي ننعم بها، بات الحديث متاحاً، وأكثر منه ما يطلبه منا خادم الحرمين الشريفين بمساعدته في الحرب على الفساد، وهو ما يحتم علينا الاستجابة، والتنادي في صيانة هذا المال، والشعور الكامل بأن حمايته هي من صميم مسؤوليتنا الوطنية. الطريق الأول –برأيي- في هذا، هو في ترسيخ ثقافة المال العام في وعي أجيالنا الجديدة، وأتحدى هنا بأنه لو قام أيّ أحد بسؤال ثلة من طلبة الثانوية عن ماهية المال العام، لحار معظمهم جواباً، وتلعثم الطالب ولم يعرف شيئاً عن حقه ولداته في هذا المال، مما يجعلني أضمّ صوتي لصوت الأستاذ جميل فارسي، وهو يطالب بتدريس ذلك ضمن مناهج التربية الوطنية لأبنائنا في التعليم العام، وتعريفهم بحقهم في هذا المال، وكيفية صيانته، والمحافظة عليه من العبث والصرف في غير محله، ورفع العقائر احتجاجاً إن رأوا ميلاً أو نهباً له، في تلك الوزارات والمؤسسات الحكومية. من الضروري أن نغرس في ناشئتنا وقادة المستقبل هؤلاء، مفهوم أن هذا المال هو مالهم، ويجب عليهم الذود عنه، وحمايته من عديمي الضمائر، إن كان على مستوى النقد والمصروفات المالية أو الممتلكات والمباني والمشروعات الحكومية. من الأمور المهمة التي تسهم في صيانة المال العام، بلورة مفهوم الحرب على الفساد شعبياً، وإن وجدت لدينا هيئة مكافحة الفساد، إلا أن "نزاهة" هذه تتخبط، وسقفها متدن جداً، والرقع أكبر بكثير من الراقع، ولا يجرؤ رئيسها –رغم كل الدعم الكبير الذي تلقاه- أن يشير بسبابته لكل الفسدة، وبما قال د.عبدالمحسن هلال في مقالة أخيرة له: "إذا كانت الهيئة لا تأخذ بالتشهير، وليس لديها أدلة تدين الفاسدين، وهي مهمتها الأولى، ولم تقدم أحدا للقضاء حتى اليوم، وهو أهم أهدافها، فما هي طبيعة عملها وما هي آلياتها في مكافحة الفساد". ما زلنا في حيرة شديدة حيال هذه الهيئة، التي مضى عليها عامان، دون أن تطمئن المجتمع حيالها، وإن كانت أداة تخدير فقط بما يلمز بعض الشانئين، وحيال أدوارها الوطنية المطلوبة منها، وهنا تأتي الدعوة للتوجه شعبيا في مكافحة الفساد، إذ لو اعترض كل مواطن على أي نهب في وزارته التي يعمل، ورفعنا أصواتنا احتجاجاً، لوَجل السرّاق، وكفّوا أيديهم القذرة عن اختلاس مال الوطن، وهي دعوة لأولئك الحقوقيين الذين لا همّ لهم سوى التباكي، والتباكي فقط، أن يقوموا بخطوة إيجابية صحيحة، بالانخراط في مثل هذا المشروع في حماية وصيانة المال العام من العبث والسرقات. ديوان المراقبة العامة، جهاز حكومي فاعل، بيد أن إمكاناته ضعيفة جدا، ومن الضروري تعزيزه وتقويته، إذ كشف لنا مصدر رفيع المستوى في ذلك الديوان لصحيفة الشرق الأوسط عن أن: "محصلي المال العام في جهازه، أعادوا 800 مليون ريال لخزينة الدولة بعد أن طرأت عليها بعض التجاوزات من قبل بعض منسوبي القطاع الحكومي، وأن الديوان يحتاج لزيادة عدد المدققين الماليين الذين يمكنهم تدقيق الحسابات حيث لا يتجاوز عددهم حالياً 1600 مدقق". من المهم الأخذ بما يطبق في الدول الغربية، حيال كشف الأرصدة بالنسبة للمسؤولين الذين يتسنمون مناصب لها علاقة بالخزينة، بدءا بالوزير وانتهاء بكاتب العدل في أصغر محكمة بأقصى مدينة سعودية، واستنساخ تجربة الغرب في ذلك، في مراقبة الأقارب من الدرجة الأولى والثانية، وبتصوري آن الأوان لتطبيق شعار: "من أين لك هذا؟"، إن أردنا فعلاً إعلان الحرب على الفسدة والفاسدين، ودعونا لا ندفن رؤوسنا في الرمال، ونحن نرى أمام أعيننا صغار الموظفين وأرصدتهم بعشرات ومئات الملايين، ولو جلسوا لمئة عام ومئة أخرى عبر أحفادهم، لما حققوا تلك الثروات الخيالية بمرتباتهم. يا سادة، ولأولئك المتشائمين الذين يطالبون بالبدء بالهوامير الكبار، دعونا نبدأ بالممكن والمتاح، وما تطاله أيدينا، فإيقاف نصف الفساد، أفضل ألف مرة، من تركه بالكلية. المال العام ليس كلأً مباحاً، والحرب على سرّاقه فريضة، وصيانة ذلك المال واجب، ودعوني أختم بمعلومة أوردتها "العربية نت": "لولا الفساد لَقَفز المعدّل السنويُّ لدخلِ المواطنِ السعودي من (87) ألف ريال، إلى (300) ألف ريال"!.