على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن يختار بين العودة إلى العمل السياسي، ووظيفة مالية بعشرات الملايين. هل كان يمكن أن تعرض وظيفة مالية على شارل ديغول؟ ويقوم توني بلير بأدوار استثمارية ذات أرقام خيالية، فهل كان يمكن لهارولد ماكميلان أن يفعل ذلك؟ أذكر أن سلف بلير، المستر جيمس كالاهان، هزئ في برنامج تلفزيوني بالأسئلة التي طرحت عليه، ولما عوتب المخرج على قلة اللياقة، قال: لقد دفعنا للمستر كالاهان 400 جنيه ثمن وقته، ونحن أحرار باستخدام هذا الوقت كما نشاء. في الماضي، كان المال في السياسة عيبا، وكانت نقطة الاعتزاز أن تكون كفيا وليس ثريا. هذا عصر انتهى. دلائل النجاح الآن هي المال والثروة. لذلك، كل عام، هناك ثلاثة أحداث مهمة: نوبل الآداب، ونوبل السلام، ولائحة «فوربس» عن الثروات الكبرى. ولا يزال يتصدر هذه اللائحة ابن تاجر خردوات لبناني يدعى كارلوس سليم. وللمرة الأولى في تاريخ لبنان القليل الموارد يتربع رئيس الوزراء الحالي ورئيس الوزراء السابق على لائحة المليارديرات حول العالم. قبل رفيق الحريري كان كرسي رئاسة الحكومة مرادفا للستر والحمد لله. وفي الماضي كان اللبنانيون يسألون أنفسهم ويداعبون مخيلاتهم بالقول: إن رشيد كرامي هو سادس أغنياء العالم. يومها لم يكن كل لبنان مؤهلا لهذه المرتبة. وكان رشيد كرامي، رجل الدولة العاقل والعادل، يعيش في شقة بلا تدفئة مركزية. ويستقبل المراجعين وهو يتدفأ على جمر «كانون» حديدي بسيط، مرددا بلهجته الهادئة: النار فاكهة الشتاء. ولا فاكهة سواها. صارت السياسة جزءا من الإدارة العامة. حاكم البنك المركزي الأكثر نجاحا في تاريخ لبنان، هو رياض سلامة، وليس سياسيين أفاضل مثل إلياس سركيس وفيليب تقلا وميشال الخوري. سلامة جاء من عالم المال لا من عالم السياسة. وحمى النقد في أدق وأصعب ظروف لبنان. رجل ثقة ورجل إدارة، أو بالأحرى مهارة، فيما كان السابقون لا يحتاجون إلى أكثر من خلقهم والثقة بهم. مع رفيق الحريري وعصام فارس وسعد الحريري ونجيب ميقاتي ونعمة طعمة، دخلت الحكومات اللبنانية عصر المليارات. وبقي الجيل السابق حيث كان. ولا يزال سليم الحص يقطن في حي عائشة بكار فوق مرأب لتصليح السيارات. يستقبل في مكتب صغير، جدا صغير، ويوزع منه آخر نكتتين وآخر كتاب في الاقتصاد. ويتابع أخبار الكتب الجديدة أحيانا من هذه الزاوية.