المشاكل المؤسساتية في المجتمع السعودي تحفل بها الصحف والمواقع الإلكترونية والمجالس العامة، حتى غدت فاكهة النقد المجتمعي، فلا تكاد تجد صحيفة أو موقعا أو كاتبا أو حديثا بين عدد من الناس حتى في تويتر إلا وتقتات على نقد هذه المؤسسات، ووصل في بعضها إلى نقد المسؤولين بأسمائهم، كما تعدى ذلك إلى نقد البنى التي تقوم عليها المؤسسات الحكومية. الإشكالية أن مثل هذا النقد لا يذهب في وضع النقاط على المشكلة نفسها، بحيث يمكن تحديد الخيط الأولي للخلل الذي يتواجد في كل مكان في مجتمعنا سواء على مستوى مؤسسات الدولة، أو على مستوى الأفراد، أو حتى على مستوى البنى التقليدية التي يكافح المجتمع على بقائها. هناك خلل عام لا يمكن القبض عليه بسهولة. من السهل نقد المؤسسات كما يمكن نقد الأشخاص، لكن مع ذلك فما زال الخلل موجودا، ومازال المجتمع تحت وطأة ذلك الخلل على الرغم من النقد المتواصل. دائما ما تبقى هناك حلقة مفقودة في النقد أو في التصحيح لا تحل المشكلات من جذورها، وربما زادت المشكلة أكثر من حلها متى ما انتهت المشكلة المباشرة، بحيث تبقى جذور المشكلة هي ذاتها. لنأخذ مثالا لو أن مؤسسة حكومية ولتكن عملية التعليم مثلا، حيث استطاعت الوزارة أن تحل مشكلة العنف ضد الطالب في المدارس. هذه المشكلة لم تحل من جذورها فما زال المعلمون يشتكون من عدم احترامهم، أو حتى العنف الذي يكون عليهم من قبل بعض الطلاب في المراحل العليا دون أن يكون للمعلم حق الدفاع عن نفسه إلا إذا كان مطروحا على الأرض كما يتهكم المعلمون على القرار القديم. هذا مثال ربما كان سخيفا في نظرنا لكنه يصب في قلب العملية التربوية، فحلها من طرف لا يعني حلها من جميع الأطراف. هذا حل جزئي وظرفي نظر إلى المشكلة من جهة دون جهات أخرى. مشاكل التعليم تتراكم حتى بعد محاولات التصحيح حتى مع المناهج التعليمية الجديدة المتطورة، إذ لاتزال هناك حلقة مفقودة في عملية الإصلاح التربوي. هذه الحال تشمل الصحة، كما تشمل التعليم العالي، كما تشمل وزارة التخطيط، و الإسكان، و العمل وغيرها. العمل مثلا أصدرت قرارا رفعت فيه رسوم العمالة. الإشكالية أن هذا القرار زاد من مشكلة المؤسسات الصغيرة، فعملت الوزارة على إصدار قرارات جديدة تستثني المؤسسات الصغيرة التي يصل نسبتها كذا وكذا. المشكلة لاتزال، حيث المتضرر الأخير هو الفرد السعودي الذي كان اعتماده كليا على العمالة الأجنبية. يعتبر بعض الكتاب أن العمالة الأجنبية ستكون مكلفة جدا في عملها للناس، بحيث تصبح الأسعار أكثر وأكثر فضلا عن أسعارها الحالية. الصحة هي الأخرى عاجزة عن تصحيح مشاكل الأخطاء الطبية حتى الآن، والسبب هو في النظرة المباشرة للخطأ، بحيث يتم التعامل مع ذات الخطأ الطبي بشكل محدود لا يتعدى الخطأ نفسه دون حماية المواطنين، أو تعويضهم من هذه الأخطاء. من جهة أخرى تعجز هيئة الفساد عن التدخل في قضايا الفساد التي يتم التبليغ عنها، حتى ظهر ممثلها وصرح بعدد من التصريحات أن الوزارة الفلانية أو الأمر الفلاني أو القضية الفلانية ليس من اختصاصهم، في رؤية تجزيئية لمفهوم الفساد. لقد تعود المجتمع على تفريغ أي قضية من أبعادها، بحيث يتم النظر في القضية دون الإطار العام الذي ولدها، أو ما يمكن أن تولده من مشكلات لاحقة. ما بعد قضايا المجتمع تكون الحلول جزئية دون التعامل مع المشكلة من جذورها التي ضخمت القضية. عملية الإصلاح شاملة لا يمكن أن تتعامل مع مشكلة دون النظر في المشاكل الأخرى. صحيح أن هذه المشاكل لها علاقة في البنى التقليدية للمجتمع، بحيث جاءت وفق ظرف تاريخي معين، من هنا فإن عملية الإصلاح كما أنها تذهب في اتجاه تصحيح العمل المؤسسي والحكومي فإنه لابد أيضا أن تذهب في تفكيك البنى التقليدية للمجتمع فكثيرا ما كانت المشاكل لها علاقة في الرؤية العامة للمجتمع حول ذاته كقضايا المرأة فكما أنها تحتاج إلى رؤية قانونية مؤسساتية فإنها كذلك تحتاج إلى نقد العقل الذكوري الذي ولد كثيرا من تلك المشكلات، والمرأة هنا مثال لا تنحصر عليها قضايانا، بل سقتها هنا كمثال صارخ لما أريد الحديث عنه هنا من ناحية الإصلاح في كل جوانبه.