ينزعج المجتمع بين حين وآخر من أخطاء بعض الأجهزة التنفيذية، أو تصريحات بعض المسؤولين، أو حتى موضوعات بسيطة جدا. الإشكاليات التي تظهر، بعضها يكون مدويا، وبعضها الآخر أخف بقليل على أهميتها في نظر الجميع. والفساد أكثر القضايا التي يضج منها المجتمع، ولا أحد يستطيع الإشارة إلى مكمن هذا الفساد. يحصل الكثير من الأخطاء، ولكن التعامل معها ينحصر في فصل مسؤولين أو عقاب بسيط لا يعالج المشكلة من جذورها، والدليل تكرار بعض الأخطاء في مناطق أخرى لتعيد الصحافة نفس القضايا، ويريد المجتمع من الكتاب أن يكونوا ضميره الحي في نقد الأخطاء، وهذا ما لا يستطيعه الكتاب في أغلب الحال. كم من أخطاء حصلت في كثير من الوزارات حتى ذهبت أرواح ناس كثر؟! كما ضاعت قضايا ناس آخرين في مسائل وزارية أخرى دون مسؤولية من أحد؛ كضحايا المعلمات في الطرق التي أصبحت حكايات عادية في الصحافة، إضافة إلى الكثير من القضايا التي يطلب منا أصحابها الكتابة عنها ونعجز لأسباب فوق طاقتنا. المسألة أكبر من الصحافة ومن المجتمع.. هناك خلل أبعد من هذا كله. الخلل في النظام المعمول به أولا، وتطبيقه ثانيا. نحن أمام إشكاليات متراكمة لا يمكن القبض على مشكلتها الأولى حتى يمكن حلها بسهولة. ليست القضية في استقالة مسؤول أو عدمه (على أهمية هذه الاستقالة من ناحية المبدأ)، وإنما في غياب قانون يجبر المسؤول أو غيره على الاستقالة في مثل هذه القضايا، ويضع كل المهملين بلا استثناء مهما كان منصبه (كائنا من كان) تحت المحاكمة العلنية والقضاء المستقل. المجتمع لا يريد إلا أن يضع المهملين أو الفاسدين تحت المحاكمة حتى يضمنوا عيشهم بكرامة، والقانون الواضح هو الضامن لذلك. النظام يسري على المجتمع كما يسري على المسؤولين، لذلك من المهم أن تكون الأمور أكثر وضوحا للمجتمع، بحيث يعرفون أسباب الخلل التي تتكرر كثيرا هنا وهناك، وفي أكثر من وزارة، مع تفعيل لمؤسسات المجتمع المدني، بحيث يصبح للمجتمع فاعلية اجتماعية تضع المسؤولين تحت الرقابة والضغط الاجتماعي حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى. هنا يصبح للاستقالة معنى، كونها جاءت لتصحيح مسار أي خلل، وإلا فإن الأخطاء تحصل في أرقى دول العالم. المهم ما بعد هذه الأخطاء، وهو: كيف يكون الحل؟. الحلول عندنا أقرب إلى التخديرية منها إلى حلول جذرية، وبرأيي أن السبب في ذلك هو غياب النظام الفاعل، وإلا ما الذي يجعل مسؤولا متهما في بعض القضايا وكتبت عنه الصحافة في وقتها ومع ذلك نجده في منصب آخر، هو أقرب إلى التكريم منه إلى العقاب..!! فاعلية النظام ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة هي الحل برأيي.. (الحل المؤقت وإلا فإن المسألة أبعد من ذلك)؛ لكون النظام الفاعل يمكن أن يكون ركيزة للمطالبة بالحقوق المجتمعية من جهة مؤسسات المجتمع المدني يحقق حركية هذا المجتمع للمطالبة بحقوقه من جهة أخرى، فهما طرفا المعادلة الحقوقية، يمكن أن نختصر ذلك كله في مفهوم القانون. القانون الذي يجعل الجميع تحت مظلة واحدة لا تستثني أحدا لأي اعتبار كان: منصبي أو نسبي أو مشايخي، فالجميع تحت القانون واحد، بحيث تضمن للجميع حقوقه من تلاعب من ينوي التلاعب لأي سبب بحكم نفوذه الاجتماعي.