خالد عبدالله المشوح - المجلة اللندنية الحركة الإسلامية تمر بمرحلة صعبة وحسّاسة في كل من مصر وتونس، ففي الوقت الذي تتنامى فيه هيمنة الصقور في حزب النهضة التونسي، يتم التخلِّي وإقصاء التيار المعتدل المتمثل في حمادي الجبالي وعبد الفتاح مورو والقريبين من توجهاتهما، وفي مصر تمر حركة الإخوان مع حليفها القوي حزب النور السلفي بتوترات حادة وتباين في المواقف، فما الذي يحدث داخل الحركة الإسلامية بعد الثورات واستلام مقاليد السلطة؟! سؤال يبدو كبيرًا وضخمًا لكنني سأحاول وضع نقاط أولية لمحاولة الفهم.. من المعلوم أن الحركة الإسلامية منذ 1982 وهي في الصف الثاني أو الثالث من الحكم، وفي غالب الأحيان خارج الصفوف، وهذا يعني أنها لا تمتلك الخبرة السياسية، بالإضافة إلى أن وصولها إلى الحكم جاء بعد زخم ثوري عارم من قبل كل فئات المجتمع ولا علاقة مباشرة للحركة فيه، وهذا يقودنا إلى الوصول إلى أن الممارسة السياسية للحركة لم تمر بمراحل للتطور والنضج بخلاف الحركة الإسلامية في تركيا، والتي يستشهد بها الكثير على إمكانية نجاح تجربة الإسلاميين في أول امتحان، متجاهلين أن الأحزاب الإسلامية في تركيا مرَّت بأطوار متعددة إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي، فبعد حل حزب النظام الوطني وحزب السلامة والرفاه وتجاربهم، جاء العدالة والتنمية كنتيجة طبيعية للتطور السياسي الذي تقتضيه التجربة، أي بعد ثلاثين عامًا من التجارب المتكررة والتراكمية. في هذا المقال سوف أتحدث عن تونس، فهي نموذج أكثر نضجًا من غيره، نتيجة فاعلية القوى المدنية على الأرض فيها، وقوة الأحزاب السياسية مستمدة ذلك من تاريخها في العمل بما في ذلك حزب النهضة الذي مارس العمل السياسي بشكل متقطع بخلاف الإخوان في مصر، بالإضافة إلى الطرح التقدمي لحزب النهضة التونسي وزعيمه راشد الغنوشي، كل هذه مؤشرات إيجابية في صالح الحركة الإسلامية في تونس، لكن كحال معظم الأحزاب المحظورة والثورية فللنهضة قيادتان: الأولى كانت في الخارج، وأخرى في الداخل، وهناك صقور وحمائم وتقدميون ومحافظون، فتجربة حمادي الجبالي – وهو المحسوب على التيار المعتدل أو حمائم النهضة- مع عبد الفتاح مورو لم تعجب الصقور والمحافظين طريقة إدارته وتعامله مع تصريحات صقور النهضة، كان ذلك قبل اغتيال شكري بالعيد، وبعد الاغتيال زادت الهوة بين الاثنين، وحاول حماد الجبالي إقناع الآخرين بوجهة نظرة بلا جدوى، وتطور الأمر إلى أكثر من ذلك من خلال سعيه للخروج بتونس من النفق المظلم باستقالته ومطالبته بحكومة تكنوقراط، لكن النهضة غضبت وهددت ووفت وأزاحت الجبالي، وقدمت علي العريض وهو من صقور النهضة ومن جبهة الداخل التونسي لتشكيل الحكومة.. علي العريض يمكن أن يكون وقودًا للأزمة في تونس لاسيما وأنه كان يمسك بوزارة الداخلية أثناء اغتيال شكري بالعيد! فالتيارات اليسارية غير راضية أبدًا عن هذا الاختيار، مع أنه حاول منذ الوهلة الأولى توسيع دائرة التحالف لتشمل أكبر عدد من الأحزاب (ما لم يتم مع بقاء نفس الترويكا الحاكمة)، إلا أن الحكم مبكر على الرغم من تحييد وزارات السيادة في الحكومة التي طرحها على الرئيس منصف المرزوقي. المراقب لتطور الخطاب السياسي للحركة الإسلامية يرى أن هناك قفزات كبيرة سرعان ما يتم وأدها من قبل التيار القوي، والذي يرى أن الحركة صبرت طيلة هذه الفترة لتحكم قبضتها وليس لتقدم تنازلات، وهذا يتضح من خلال حشد النهضة الكبير الذي كان بمثابة تهديد للانقلاب على الشرعية في حال فكروا في أي خطوة غير محسوبة. حمادي الجبالي سجل اليوم نقطة كبيرة في صالح الحركة من خلال براغماتيته التي لم تعهد عن الحركة، لكن هل يتجه مع عبد الفتاح مورو (و أبو يعرب المرزوقي الذي استقال من المجلس التأسيسي وانتقد حزبه النهضة) لتأسيس أول انشقاق سياسي وتشكيل حزب جديد يحافظ على الرؤية الإسلامية للحركة مع مرونة أكبر في تفسير العمل السياسي وتحقيق الأهداف؟ من يعرف حركة النهضة يدرك أن هذا مستبعد لاسيما وأن الحركة لديها قدرة على استيعاب خلافاتها رغم التباين الواضح بين قيادتاها، لكن من المحتمل أن يصبح الجبالي نفسه مرشحا النهضة لخلافة المرزوقي رئيسا للجمهورية، لذا فإن سيناريو العودة إلى حمادي الجبالي مفتوح وبقوة وهو ما يراهن عليه حمائم الحركة، عندها ستكون مرحلة جديدة للحركة بانتصار على الأرض من دون انشقاقات.