القصيم والقطيف لهما حكاية في التاريخ السعودي القديم والقريب، تحفظها كتب التاريخ وتعيها صدور الرجال. وقد كان الولاء الكبير للدولة السعودية من القصيم وأهله مصدر اطمئنان، كما كان هدوء القطيف وتماشيها مع الواقع مصدراً آخر للاطمئنان. ويعد ضمهما للدولة حدثاً سياسياً متميزاً، فليست القصيموالقطيف واحتين تعمرهما قبائل عربية فقط، بل تمثلان ثقلاً دينياً ومذهبياً وتجارياً وإستراتيجياً؛ ولهما تنتسب عوائل كبرى مشهورة ومؤثرة. ولم يحدث صدام مسلح بين الحكومة والقصمان بعد توحيد المملكة، خلافاً للقطفان الذين واجهوا الحكومة في صدامات قديمة وحديثة. وطيف إيران يحوم حول القطيف؛ وليس حول القصيم طيف يحوم، ولذا فتهمة التوجيه الإيراني تنال بعض أهل القطيف؛ ولا يوجد دولة يمكن أن ينسب إليها تأثير خاص في القصيم. ويشتهر الشيعة-عموما-بقوة تواصلهم مع المجتمع الدولي حتى أن وسم-هشتاق- البحرين بالإنجليزية كانت ثاني أعلى وسم من ناحية عدد التغريدات خلال عام 2012، وللشيعة تواصل حقوقي نشيط، ولهم معارضة تنطق بهمومهم وقنوات تنفخ في قضاياهم، ولا يتكرر ذلك لأهل السنة، وإن وجد فبحضور أقل مما للشيعة. وللقطيف باع طويل في إدعاء المظلومية، بحق أو بباطل أو بتضخيم، وقد ناقشت بعض هذه الإدعاءات بإختصار في مقالة قديمة بعنوان: "شغب في ريف العوامية") ( بما يغني عن تكراره هنا. أما أهل السنة فقد حجزهم الصدق والصبر والسمع والطاعة عن التظلم مما يجدونه وقد يربو على ما يواجهه الشيعة أو مايدعونه، وللبعد العقدي هنا أثره الواضح، فالقصيم يعتبر غالب أهلها أن الحكومة شرعية أو أن الصبر عليها واجب، بينما تفقد الحكومة شرعيتها عند كثير ممن يؤمن بالمذهب الشيعي، وشعاراتهم تجلي هذا فضلاً عن المسطور في كتبهم. ولست هنا في مقام المقارنة أو المحاكمة، فالظلم مرفوض بغيض سواء وقع على سني أو شيعي، ومن ثبت له حق فيجبُ الانتصاف له من غريمه بغض النظر عن ديانته ومذهبه وإقليمه، وهذا أمر لا يماري فيه عاقل أبدا. وأي مطالب بالعدل فإننا نسوقها لمصلحة الجميع وليس لطائفة أو فئة، وأي مدافعة للظلم والبغي فهي عامة بلا استثناء، ويبقى أن للأكثرية هيبة العدد، وحق التقديم فهم اللحمة والسداة؛ دون أن يكون في ذلك حيف أو جور تجاه الأقلية، والجزاء يلحق كل من جاوز الشرع والنظام أو لم ينضبط بالعرف العام. ومع هذا الاختلاف بين القصيموالقطيف، إلا إنهما اجتمعا على قضية واحدة، وهي غصة في حلق كل مريد للعدل، ناشد للأمن، محب لبلاده، راحم لشعبه وأهله، ألا وهي قضية المعتقلين اعتقالاً طال مداه، دون انبلاج ضوء أمل، أو وضوح سير القضايا، ناهيك عن خروقات حالت دون تطبيق النظام الجزائي المقر من أعلى سلطة تنفيذية! إنه لمن الواجب في أعناقنا تجاه أهلنا وبلادنا وولاتنا أن نقول بصوت هادئ، ولغة واضحة، وصدق كبير: إن قضية المعتقلين- وإن اختلفت أديانهم وديارهم- مسألة اجتمع على المناداة بحلها المختلفون، واصطلى بنارها المعتقل وأهله ومجتمعه؛ ومن طبيعة النار الانتشار والقابلية للإذكاء، وأنها تنطفأ بالماء لا بنار مثلها تواجهها فيتصارعان وتتسع رقعة الحريق! ولنا في الظلم وعواقبه عبر حاضرة ينزجر منها من عايشها! وإن مصلحة البلاد العليا تقتضي سرعة المعالجة بميزان عدلي خالص من الشوائب والأوهام الأمنية! ويسع الحكومة أن تتعامل مع هذه القضية بعدل أو بفضل، وهذا والله يزيدها هيبة ومكانة، ويريح البلاد والعباد من هم جاثم على الصدور. ويمكن إحالة الملف برمته لقضاة عدول، أو للجنة حكماء يقولون الحق ولا ينافقون، ويمكن اهتبال شفاء خادم الحرمين الشريفين-وفقه الله- لإطلاق كل أسير بريء أو انتهت محكوميته أو صدر له حكم بالإفراج، ولا يظل مسجوناً إلا المدان حقا. ويتلو الفكاك لمسات حنان حكومي بالتعويض ومسح آثار الجروح والقروح، فالعدل يرضي العقلاء ويلجم الأعداء، والإحسان يأسر الناس؛ كل الناس!