د.عبد الوهاب أبو داهش - الاقتصادية السعودية احتوت اللوائح التنفيذية الخاصة بالتمويل العقاري على مزيج من التحفظ لتقليل المخاطر، ومزيد من الشفافية والإفصاح، ولوائح تهدف إلى خفض التكاليف. فالمقترض سيجد إيجابيات عديدة في تلك اللوائح تتمثل في اعتماد الفائدة المتناقصة، ورسوم إدارية وخدمية لا تتجاوز 1 في المائة من القرض أو خمسة آلاف ريال أيهما أقل، وفترة سداد طويلة الأمد قد تصل إلى 25 عاما أو أكثر، وتوضيح مفصل لدفعات السداد الشهرية، ورهن العقار دون طلب إيداع الراتب، وحق السداد المبكر دون أن يدفع تكاليف الإقراض حتى نهاية فترة السداد، وأن أية عيوب في العقار من تشققات أو هبوط أو عيوب جوهرية أخرى سيكون على المقترض إصلاحها أو استرداد العقار، واحتمال مآل العقار إلى الورثة في حال وفاة المقترض في حال تضمنته اتفاقية التأمين. ومن السلبيات، التي قد تكون محور اهتمام المقترض، أن عليه تسديد 30 في المائة من قيمة العقار، حيث إن شركات التمويل ستمول فقط حتى 70 في المائة من قيمة العقار (وهي معدلات قابلة للتغيير في المستقبل)، وأن أي تعثر في السداد لأكثر من ثلاثة أشهر قد يجعله مجبرا على إخلاء المنزل، وأن عليه تحمل تكاليف التأمين، التي يجب أن تكون واضحة في عقد التمويل، بما فيها ضرورة إعادة التقييم بشكل دوري لخفض معدلات التأمين مع تقادم العقار. وبالنسبة لشركات التمويل ومنها المصارف فإنها ستتبع سياسة متحفظة جدا لخفض المخاطر، منها أنها ستمول حتى 70 في المائة فقط من قيمة العقار خلافا لما هو معتاد الآن بنسب تراوح بين 75 إلى 80 في المائة، وأنها قد تمول فقط العقارات المتطابقة مع كود البناء السعودي، التي يوجد منها قليل في الوقت الحالي، أنها ستلجأ لإقراض ذوي الملاءة الائتمانية القوية لانتفاء تحويل الراتب وتفادي أي حالة تعثر مستقبلية أو حالات الخلل والعيوب التي قد تظهر في العقار مع تقادم الوقت، مع إمكانية خسارتها جزءا كبيرا من التمويل في حالات الكوارث الطبيعية وحالات الوفاة. وستواجه شركات التمويل (خلاف المصارف) مصاعب أخرى، لأن اللوائح اشترطت رأسمالا صغير الحجم يتمثل في 200 مليون ريال فحجم التمويل العقاري (الذي قد تصل متطلباته في المملكة إلى 100 مليار ريال سنويا) يتطلب رؤوس أموال كبيرة حتى تتمكن من المنافسة. كما أن الوعاء الزكوي المفروض على شركات التمويل قد يكون كبيرا في حال عدم قدرتها على التخلص من الذمم المدينة ببيعها أو تصكيكها في صورة سندات أو صكوك تباع في السوق الثانوية. كما أن شركات التمويل بكل أنواعها ستكون خاضعة لمراقبة مؤسسة النقد العربي السعودي، وما يتطلب ذلك من معايير الالتزام العالية في كفاية رأس المال، وإدارة مخاطر على مستوى عال من المهنية، مما يرفع تكاليفها في استقطاب الكفاءات في هذا المجال بأجور مرتفعة. وستعاني شركات الأقساط الحالية التي تمول السيارات أو العقارات بشكل فردي وانتقائي من مدى قدرتها على الالتزام بتطبيق معايير الجودة باتباع سياسات وإجراءات متشددة تفرضها مؤسسة النقد السعودي. كما أنها ستواجه منافسة شرسة من المصارف القائمة، التي يمكنها الاستمرار في السيطرة على تمويل السوق العقارية لما تتمتع به من خبرة عالية في هذا المجال. وأخشى أن تتكرر مأساة منافسة شركات المصارف الاستثمارية مع شركات الاستثمار الأخرى بعد تحرير قطاع شركات الاستثمار من قبل هيئة السوق المالية، واختفاء معظم الشركات غير التابعة لمصارف من السوق بعد فترة وجيزة. لذا كان من الأجدى البدء بمتطلبات رؤوس أموال عالية لشركات التمويل العقاري لا تقل عن مليار ريال للواحدة، وتشجيع المصارف والمؤسسات الحكومية على إنشاء شركات مستقلة مع القطاع الخاص في هذا المجال. ولم يرق لي تصريح المسؤول عن مراقبة شركات التمويل بإعطاء المصارف خيار الاستمرار في عقود المرابحة الحالية مع ما هو موجود في اللوائح الجديدة من أنظمة تخدم العميل، مما يتعين عليه أن تكون المؤسسة أكثر حرصا على تنفيذ وتطبيق اللوائح الجديدة. كل العلاقات السابقة ستكون محمية ضمن إطار لائحة قضاة التنفيذ، التي يمكن أن تصدر أو أن تكون قد صدرت فعلا أثناء قراءتكم هذا المقال، مما يجعلني أعود إلى موضوع لوائح التنفيذ في مقال قادم.