«حين كُنا طلابًا في الستينيَّاتِ في الأزهرِ تحدّت: (راقصةٌ مشهورة )ٌكلَّ علماءِ الإسلام في الأزهرِ وغيرِه أن يثبتوا لها أنَّ الرقصَ حرامٌ، واستدلت بأنَّ الرقصَ مجموعةُ حركاتٍ. كلُّ حركةٍ منها على حدةٍ مباحة، ولا يستطيع أحدٌ تحريمَها، فالمفروضُ ألا تحرّم مجتمعةً. ثم بدأت تقول: أودُّ أن أسألَ العلماءَ هل مِن حقّي أن أحرِّكَ رجلي اليُمنى باتجاه اليمينِ وباتجاهِ اليسار؟ لا أظنّ أحداً يستطيعُ أن يقولَ: حرامٌ عليَّ تحريكُ رجلي بهذا الاتجاهِ أو ذاك، وكذلك الحالُ بالنسبةِ لرجلي اليسرى، وأمَّا هزّ الوسطِ فالمرأةُ قد تجري وقد تمشِي بسرعةٍ ولا أحد يستطيع أنْ يحرِّم عليها ما يترتبُ على ذلك من حركةِ الوسطِ. وهكذا أخذت الأمورَ بشكلٍ جزئيٍّ، فكانت النتيجةُ أن جلسنَا ونحنُ طلابُ في:( الدراسات العليا) نتناقشُ في تلك الحجّةِ البالغةِ التي طرحتْهَا علينا الراقصةُ المتحدّية». تلك حِكايةٌ، تكتَنِزُ بداخلِها دروسَاً ثَرّةً، قد قصّها علينا المُفكّرُ والأصوليُّ البارعُ صِناعةً وتجديدّاً أستاذنَا: طه جابر العلواني، وذلك في مَعرضِ اشتغالِهِ كتابةً في الإبانةِ عن الفرقِ فيما: «بينِ شكليةِ الفقهِ والقانون ومقاصديّةِ الدّين»، وشئتُ اجتلابهَا هاهُنا ابتغاءَ أن يُشاركَني قُراءُ:»الشرقِ» لا في مجرّدِ الاطلاعِ عليها وحسب، وإنما في استنباطِ ما فيها مِن دروسٍ باتت الحاجةُ إليها ملحةً في ظلِّ قيامِ سوقِ: «الفتوى» وبصورةٍ راجَ فيها: (النظرُ الجُزيئُّ) الذي من شأنِهِ منهَجيّاً تَغييب معرفةِ مداركِ الفقهِ، وإخفاءِ حقائقهِ إلى أجلٍ غير مُسمّى، وتعذّر الظفر باستجلاءِ تعليلاتهِ الخفيةِ، والنأي عن دركِ جوامعهِ.. و..و.. إلى أن يأخذنا إلى أبعدَ من ذلك حيثُ: «العِنّة الفقهيةُ» الأمر الذي سنفتقدُ على إثرهِ أيّ معنىً لِمن يتوافرُ فينا على الملكة الفقهيةِ، وليسَ ببعيدٍ إذا ما ظّلً الأمر كذلك أنْ نلتفتَ يمنةً ويسرةً وما ثّمَ من نَفسٍ فِقهيٍّ إذ ذاكَ يمكنُنَا أن نستروحَهُ فيمن يتصدّر اليومَ لا في مجالسِ: «الفُتيا» ولا في مقاعد:»الدرس».