لي صديق أعتبره من المفكرين القلائل الذين يمكنهم أن يمطروا الشخص بنظرية طلائعية كل خمس دقائق، من دون كلل أو ملل، وهو للأمانة رجل مهموم جداً بقضايا الأمة الإسلامية، لدرجة أنه تسبب لي بصداع مزمن وهو يردد فوق رأسي يومياً بأن سبب تخلف المسلمين حضارياً وتقنياً وسلوكياً في هذا الزمان مرده قفل «باب الاجتهاد» في الفقه ما أوقفهم زمنياً في حقبة تقع بين القرنين الهجريين الثالث والرابع. تذكرت طرح صديقي الفقيه عن باب الاجتهاد المغلق وهاتفته مباشرة، بعد قراءتي للتصريحات الاجتهادية الخطرة التي نشرتها «الحياة» لأكاديميتين سعوديتين تعملان في جامعة الإمام محمد بن سعود، إحداهما ابتكرت نظرية «الزنا المجازي في تويتر». قلت لصديقي من دون تحية: «أبشر يا صاح، فقد فتح الله للمسلمين فتحاً مبيناً تكسرت له أقفال باب الاجتهاد الذي أزعجتنا به»، وقبل أن يرد أكملت: «هل يمكنك تصور اجتهاد أهم من أن تعلن أستاذة فقه في جامعة سعودية عن اكتشاف نوع جديد من الزنا عبر «تويتر»، يتمثل في محادثة النساء للرجال «نصياً»، وهي تعتبر فوق ذلك أن الصور التي تضعها النساء على صفحتهن، مهما تنوعت، تُظهر هيئتهن «واضحة» للرجل، إذ إن وضعهن صور «قلب أحمر» مؤشر على عاطفتهن، كما أن صور «البحر وأمواجه» دلالة على رومانسيتهن»... فما كان من صاحبي إلا أن كبر سبع تكبيرات متتالية، ثم سألني عن إن كانت الدكتورة توسعت في المسألة وتطرقت إلى كيفية إقامة الحد الشرعي على الزاني المجازي، فأجبته بالنفي، ليكبر مرة أخرى ويعلق: «هذا ملعبي أنا!»، توجست بعد عبارته السابقة وسألته عن قصده بوضوح فأجاب: «الدكتورة وضعت حجر الأساس للنظرية... وبقي على المجتهدين إكمال المسيرة، وباعتباري مجتهداً معطلاً منذ سنوات طويلة، فسأسعى بكل ما أوتيت من جهد لتقعيّد المسألة وتفصيل آلية إقامة الحد على زناة «تويتر» المجازيين... فماذا تقترح؟»... قلت له: «أقترح أن يتم جلد الزاني «التويتري» البكر ب100 حرف في «هاشتاق» عمومي، ويتم تغريبه ل«فيسبوك» مدة سنة»، فتعالت تكبيراته ثم قال: «وماذا سنفعل في الزاني «التويتري» المجازي «المحصن»؟ ربما نحتاج في هذه إلى تدخل لجنة فقهية عليا على مستوى العالم الإسلامي»، ثم سكت قليلاً وأردف: «أعتقد أننا بحاجة لمخاطبة إدارة «تويتر» لتأسيس تطبيق جديد يخدم عملية الرجم»، قلت عندها «وماذا عن تقارير «سبام؟»، فكبّر صاحبي وهلل وقال: «هذه هي... يتم رجمه بتقارير «سبام» حتى الموت»، ثم استأذن وأغلق الهاتف بحجة أنه سيعتكف على إصدار مجلد فقهي عن المسألة، وسيشير فيه إلى جهودي الخاصة في دعم بحثه من باب الأمانة العلمية التي باتت مفقودة في هذا الزمان. بقي أن أقول إن كل ما أخشاه حالياً هو أن يسطو أحدهم على فكرة الإصدار الجديد لصديقي، ويوزع كتاباً في الأسواق بعنوان «لا تزن»، أو أن يصدر تسجيلاً صوتياً ويوزعه في كاسيتات بعنوان: «الزنا «التويتري»... يا خزياه»، ولذلك فإنني أهدد من الآن بمقاضاة الفاعل وأنتم شهود.