محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية الشيخ العلامة محمود شاكر لا يحتاج إلى تعريف فهو محقق كبير وأديب بارز وعلم من أعلام الثقافة العربية الأصيلة ورمز من رموز لغتنا العربية بل هو كما سماه أحد تلاميذه شيخ العربية وحامل لوائها. خاض هو وأخوه أحمد ميدان التحقيق والدراسات كل في مضماره الأدبي والآخر في السنة النبوية والعناية بها وكان من أعظم ما أصدراه تفسير بن جرير الطبري حيث وصلا فيه تحقيقا إلى سورة إبراهيم وكانت مقدمته العظيمة الرائعة للكتاب تبهر القارئ وتبين عن الأسلوب العلمي والأدبي الراقي الذي وهبه الله العلامة محمود شاكر. كما رغب رحمه الله في نشر الكتاب نشرة متميزة بعد أن رأى الضرورة والحاجة، ورغبة منه في التقرب إلى الله حيث قال: (فأضمرت في نفسي أن أنشر هذا الكتاب، حتى أؤدي بعض حق الله علي ، وأشكر به نعمة أنالها أنا لها غير مستحق من رب لا يؤدي عبد من عباده شكر نعمة ماضية من نعمه، إلا بنعمة منه حادثة توجب عليه أن يؤدي شكرها، هي إقداره على شكر النعمة التي سلفت، كما قال الشافعي رضي الله عنه). (تفسير الطبري 1/12). لقد كنت شخصيا أتوق للقاء الشيخ محمود رحمه الله وأتمنى الجلوس معه فهو آخر الأهرامات كما يقال وهو من الجيل الذهبي الرائع الذي ولدته لنا مصر الشقيقة أمثال الرافعي والزيات وطه حسين والعقاد ونحوهم. ولما لم تتح تلك الأمنية حيث قضى نحبه رحمه الله سنة 1418ه عن عمر يناهز الثانية والتسعين من عمره. لم أتردد في قبول فكرة ودعوة جميلة من تلميذه المميز المحقق الكبير الدكتور عبدالله عسيلان لزيارة أسرة الشيخ محمود واللقاء بهم وزيارة مكتبته النفيسة العامرة وتحقق ذلك بحمد الله خلال حضور معرض الكتاب الأسبوع المنصرم بالقاهرة والتقيت بزوجته أم فهر التي يقارب عمرها الآن الخامسة والثمانين من عمرها وحكت تاريخ زواجها بالعلامة محمود شاكر سنة 1965م. وسردت شيئا من خلوته التي تجاوزت خمسا وثلاثين عاما لم يكن له فيها أنيس وشريك أو صديق سوى الكتاب حتى خرج من عزلته العلمية الطويلة التي أبرزت عالما ومحققا قل أن يجود الزمان بمثله. تجولت في زوايا مكتبته والتقطت العديد من الصور لها والمكتب والكرسي الذي يكتب ويجلس عليه ولم يفارقه طوال خمسين عاما. سألت زوجته أم فهر عن عدم بيعها للمكتبة التي تحوي نفائس نادرة وكتبا قيمة وطبعات أولى للعديد من أمهات الكتب إضافة إلى مخطوطات ونوادر لكنها طأطأت رأسها ورفضت الفكرة وقالت إنها تجد في هذه المكتبة التي طوقت زوايا الشقة وممراتها وحجرها بل حتى في صالة الطعام قالت إنها تجد فيها روح الشيخ ولن تبيعها حتى ترحل من هذه الدنيا ولفهر وأخته زلفى أن يفعلا ما يشاءان بها. بل أكد لي الدكتور عبدالله عسيلان بأنه قدم لهم رغبة أحد العلماء في شراء المكتبة بما يقارب مليون ريال ولكنها رفضت رفضا قاطعا. الشيخ العلامة محمود شاكر حديث كبير عظيم في ظل تلكم الثقافة الهشة التي عصفت بمؤسساتنا اليوم. كان يقرأ رحمه الله بالساعات الطوال ورفض شتى الأعمال والمسؤوليات والمناصب وتفرغ للقراءة والتدوين فحسب. لقد حصل العلامة محمود شاكر رحمه الله على جائزة الملك فيصل رحمه الله في فرع الدراسات الأدبية وتسلمها من يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وألقى آنذاك كلمة مبهرة في بلاغتها وبيانها ونالها بكل استحقاق نتيجة جهوده العلمية البارزة التي تستحق الإشادة والدعم والمساندة. كثيرون هم أولئك الذين يتذرعون ويتشدقون بأسماء وأوهام إلا أن حياة العلامة محمود شاكر رحمه الله شاهد على الأصالة الحقة والنصرة الصادقة لثقافتنا العربية. بقي أن أقول لقد أكبرت في نفسي مقولة وموقف هذه المرأة العظيمة «أم فهر» وكيف استنطقت هذا الحس المخلص الوفي مع رفيق دربها مع أنها لا تحسن القراءة والكتابة. ولكنه وفاء المرأة العظيم الذي لا يعرف حدودا أو ثقافة.. كما أن هناك سؤالا ملحا يطرح لمكتبة العلامة رحمه الله ما سيكون مآلها ؟.