أعجبني رد سماحة المفتي العام للمملكة، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، على سؤال تم توجيهه له في إحدى المحاضرات التي أقيمت بالرياض الأسبوع الفائت، عن بيع الرجل وشراؤه من المرأة، وجاء رد سماحة المفتي، بعدم وجود موانع شرعية من بيع وشراء الرجل من المرأة، مع ضرورة حفظ الآداب العامة، وقوله: “قد يبيع الرجل ويشتري من امرأة، مع عدم الخضوع بالقول، ومع عدم التحدث أكثر من الحاجة، ومع عدم الخلوة".. في هذا الرد، أجد أن المفتي قد حسم الأمر مع كل من يزايد على تشغيل النساء في محلات الملابس النسائية في الأسواق، ومدعي “التدين" ممن يقومون بشن الغارات الاحتسابية على وزارة العمل، احتجاجًا على عمل النساء، وسعيًا في قطع أرزاق بناتنا، في تناقض -تام- بين إظهارهم الحرص والخوف على المرأة، وبين طلبهم “الإباحي" في أن يبيع الرجال ملابس المرأة! رأي المفتي في هذه الفتوى، هو رسالة لكل من يزايد أو يدعي الحرص، أو يعتقد أنه مالك لهذا الدين والمتصرف بشأنه وحامي حماه! والدين الإسلامي -ولله الحمد- يحميه ربه، ويحميه النهج المتسامح بالامتثال لأوامره بالعقل وبلا مغالاة أو تشدد. فما ذكره سماحة المفتي هو عنوان واضح لمشروعية “الاختلاط" بما يتوافق مع القيم الشرعية والأخلاقية، وفي حدود التعامل -النزيه- الخالي من الأمراض والشهوات فيما بين المرأة والرجل، وهو استعادة لمنهج نبينا -عليه الصلاة والسلام- حيث كانت تعيش النساء حياةً سويّة، ويختلطن بالرجال، ويطببن جرحى الجهاد، وكان الرجال يأخذون من علم أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ولمن يقول إن نساء النبي لا يختلطن بالرجال، أو يحاول ليّ أعناق النصوص بأن ما حصل من اختلاط كان قبل نزول آية الحجاب، فأذكره بغزوة الجمل والتي كانت أمنا عائشة أحد قادتها، وحدثت بعد وفاة نبينا الكريم! إن محاولات -البعض- في عزل المرأة عن الرجل في كل مناحي الحياة، هو شذوذ عن الحياة السوية، التي من المفترض أن يعيش فيها كلا الجنسين باحترامهم لأنفسهم ولأجسادهم، والشعور بالنقاء الإنساني في التعامل ما بين البشر. وإن كان العزل -المبالغ فيه- يحدث في مجتمعنا، فينبغي الإشارة إلى أن حصوله بفعل العادات والتقاليد، وعدم تلبيسه بالدين الإسلامي البريء من هذه التصرفات، التي تخلق أمراضًا اجتماعية تكبر مع الإنسان حين يجد نفسه عاجزا عن التعامل مع الجنس الآخر. طبيعي جداً أن يكون هذا المرض في ظل العزل التام، وعدم رؤية الرجل في حياته لأي امرأة سوى محارمه، وهذا أيضًا يُقاس على الفتاة، وما الأمراض الاجتماعية والنفسية التي تكثر وتستفحل مع الوقت، وتكون نتيجتها عدم القدرة على التعايش بين الجنسين، وكثرة حالات الطلاق، إلا أحد نتائج العزل التام! فمن الطبيعي أن يرى الرجل النساء، وترى المرأة الرجال، إلا أن هناك حدوداً دينية وأخلاقية، لن يتعلم الناس عدم تجاوزها إلا بممارستها في حياة الاختلاط السوية!