حتى لو كان الرئيس محمد مرسي مجنيًا عليه في أحداث العنف الحالية، فلا يمكن أن يتعاطف معه أحد أو يستمر في تأييده، لأن مصير الوطن لا يسلم لرئيس مرتبك تنقصه الحكمة ويبدو مغيبًا عن ما يحيط به على بعد خطوات قليلة من مكتبه في القصر الجمهوري. سياسة مرسي المرتبكة خدمت معارضيه خدمة عظيمة، فقد صحونا على أنه لا تنقصه "الكاريزما" الشخصية فقط، بل القدرة على فهم ما يجري، وأنه يصدق من يوهمه بأنها ليلة وحتعدي، وهذا غلطته منذ بداية دخوله القصر رئيسًا، بانتقاء مساعديه ومستشاريه من الضعفاء الذين لا يصلحون لمساعدة أنفسهم، فما بالك بدولة مترامية الأطراف ذات بيروقراطية عريقة ومؤسسات لا يمكن السيطرة عليها بواسطة مبتدئين في السياسة وإدارة الحكم! لم يستعن مرسي برئيس وزراء قوي لديه خلفية سياسية كافية وآثر أن يستعين بهشام قنديل، ثم استغنى عن المستشار محمود مكي العاقل الوحيد في الرئاسة والذي يمتلك وسائل اقناع وكاريزما شخصية لها نكهتها الخاصة ونفاه سفيرًا لمصر في الفاتيكان. والنتيجة هذا التخبط الذي يعيشه، والتصريحات التي تنطلق من رموز جماعته فتساعد على تأكيد مزاعم المعارضة بأنه مجرد منفذ لخطط وسياسات وتعليمات تُصنع في مطبخها. الجماعة ستخلعه في النهاية وتتبرأ منه وستغسل به سمعتها، وبذلك يكون قد ضحى بنفسه ومنصبه الذي يترهل الآن بسرعة مذهلة في مواجهة الاحتجاجات التي تحولت لعنف غير مسبوق يطرق عليه باب قصره ويلقيه بحمم النار التي ستحرق مصر كلها وليس القصر فقط. لم يتوقع الذي صوتوا لمرسي في الانتخابات الرئاسية والذين وقفوا يؤيدونه ويطالبون بمنحه الفرصة الكافية خلال الشهور الستة المنقضية هذه النهاية التي يلوح سوادها القاتم في الأفق، لكنهم مصدومون الآن بتصرفاته وسلوكه غير المفهوم، والتي تنبئ بأنه لا يشعر بما يعيشه الناس من خوف عظيم على دولة تتهاوى. القاهرة تحترق والمقار السيادية تتعرض للغزو، بينما يصم مرسي أذانه عن الناصحين العقلاء، ويذكرنا بمقولة منسوبة لملكة فرنسا في القرن الثامن عشر ماري أنطوانيت عندما قالت عن المتظاهرين المحاصرين لقصر فرساي "إذا لم يكن هناك خبز للفقراء فليأكلوا الكعك"! زوج ماري الملك لويس السادس عشر صم أذنيه وأغمض عينيه عن الاحتجاجات العنيفة التي أغرقت فرنسا وحاصرت أبواب قصره، وفقد الحكم تدريجيًا بسبب إدارته الضعيفة، ثم أجبرته الجماهير الغاضبة المحيطة بقصر فرساي إلى الخروج إلى قصر آخر، أصبح فيه وزوجته الملكة سجينين بالفعل. ما نراه من مرسي يتشابه مع ذلك، فالسيدة قرينته تسافر صحبة ابنها وزوجته لقضاء عطلة في طابا على متن طائرة خاصة تتسع لعشرة أشخاص كما ذكر إعلام المعارضين له والذي قال أيضًا إن زوجة هشام قنديل كانت معهم، ويتكلف تأجير ساعة واحدة من هذه الطائرة –كما تقوله المعارضة– 16 ألف دولار، غير تكلفة الليلة التي قضاها طاقم الطائرة في فندق عندما فشل في العودة بهم يوم الجمعة نتيجة سوء الأحوال الأمنية في القاهرة أو سوء الأحوال الجوية. الرواية في جزء منها حقيقي وهي أنها سافرت إلى طابا على متن طائرة خاصة، أم الجزء الخاص بالتكلفة ومن دفعها وأنها ذهبت لمعاينة قاعة فرح ستشهد زواج نجلها من ابنة هشام قنديل، فهو ما يقوله إعلام المعارضة ولا يسعنا التأكد منه، ولا يجوز أن تصمت عنه الرئاسة. على أي حال تصرف كهذا يتعارض مع المنطق ويفقد مرسي تعاطف الرأي العام والثقة في إمكانية إدراكه لواقع أن حشودًا شعبية كبيرة في كل المحافظات تحتشد ضده وتطالبه بالرحيل، وأنه افتقد في المقابل أي حشود مؤيدة منذ جمعة الاحتفال بذكرى الثورة وحتى ساعته وتاريخه، سواء من جماعته أو التيار الإسلامي عمومًا. مرسي ببطئه وتقاعسه عن خدمة نفسه بنفسه يقدم خدمة كبيرة لمعارضة متحفزة لإسقاطه ولديها قوة ناعمة مؤثرة متمثلة في أجهزة إعلامها.