علقت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان جرس الإنذار مجددا عندما أعلنت يوم الثلاثاء الماضي في موقعها الإلكتروني وفي الصحف المحلية بأن موقفها لم يتغير إطلاقا في المطالبة بتحديد سن لزواج القاصرات، باستثناء حالات محددة تقتضي زواج القاصر يجيزها القاضي بما يحقق ويخدم المصلحة. الطريف في الأمر بأني قرأت تعليقا لأحد القراء على الخبر وعبارة: "حقوق الأميركان في البلاد العربية" وبذات الطرافة أجاوبه: هل تعلم أن كل دول العالم انضمت إلى اتفاقية حقوق الطفل إلا دولتان هما الصومال وأميركا؟ أحد الأصدقاء المسؤول عن ملف الصومال يقول بأنه تحدث مع الرئيس الصومالي في 2001 عن عدم توقيع الصومال، فأجاب الرئيس ساخرا: "لو وقعنا على الاتفاقية، فإن ذلك يعني أننا سنفقد الشبه الوحيد الذي يجمعنا بأميركا".. ولكن الفارق بأن أميركا مع عدم انضمامها للاتفاقية إلا أن لديها الكثير من التشريعات المحلية لحفظ حقوق الطفل، أما التأكيد المستمر والمطالبة الملحة في تحديد سن لزواج الصغيرات من قبل المؤسسات الحقوقية في المملكة فهو بحد ذاته يكشف أن هناك شكاوى تصل إليهم، بالإضافة إلى رصد العديد من ضحايا هذه الزيجات، التي تتناقض مع اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة، إضافة إلى ذلك تصويت الأعضاء في مجلس الشورى حول مطالبة المجلس وزارة العدل بوضع تنظيم وضوابط تحد من زواج القاصرات التي تلزم مأذوني الأنكحة بتنفيذها، وخروج هذه التوصية ب77 صوتا مقابل 35 رأوا عدم الحاجة لها، وهذا يدل على أن الأغلبية يرون ضرورة إقرار مسألة تنظيم زواج القاصرات، حيث إن الحاجة تلزم ذلك. معظمنا سمع أو قرأ قبل أيام عن زواج فتاة قاصر في منطقة جازان، إنني أتساءل: أين هو العدل والإنصاف في تزويج فتاة لم تتجاوز 15 عاما من مسن تسعيني؟ أليست هذه جريمة بحق الطفولة؟ هيئة حقوق الإنسان وقفت على القضية واستطاعت أن تنهي هذه المأساة التي تقشعر لها الأبدان. هذا المشهد المأساوي تتكرر تفاصيله باستمرار في عالمنا العربي، والذي لا يعدو كونه أكثر من صفقة تجارية، حين يُدفع بالفتاة للزواج دون السن المؤهل، حيث يعتبر القانون الدولي بأن زواج الفتيات دون سن الثامنة عشرة هو زواج أطفال، في حين تقدر أعداد الفتيات اللواتي يتزوجن دون السن القانونية بنحو 10 إلى 12 مليون فتاة سنويا في بلدان العالم النامي. وأظهرت الإحصائيات أن هذه الظاهرة متفشية في اليمن والعراق والسودان وقد أدت إلى وفيات، كما أنها مسؤولة عن ارتفاع معدلات الطلاق. أما في المملكة فقد تزايدت في الآونة الأخيرة حالات زواج القاصرات وذلك في ظل عدم تحديد السن المناسب، وأظهرت آخر الإحصائيات أن 3000 فتاة سعودية تقل أعمارهن عن 13 عاما تزوجن من رجال يكبروهن بأكثر من 25 عاما! وأعود لأتساءل: لماذا هذا التردد في تحديد سن الزواج؟ أليست المسألة من المباحات كونها لا تختلف في ذلك عن تقنين الدولة للفحص الطبي قبل الزواج؟ إن ماليزيا الدولة المسلمة شهدت قبل فترة حالة جدل واسع في الأوساط الاجتماعية والحقوقية فقط لأن فتاة عمرها 14 عاما تزوجت من شاب عمره 23 عاما؟!!.. نعم أدرك الماليزيون سريعا منذ بداية التسعينات من القرن العشرين بأن النسب المرتفعة لحالات الطلاق بشتى أسبابها باتت من المؤشرات الخطرة التي تهدد خطط النهضة والتنمية، وخلال 10 أعوام فقط انخفضت النسبة من 32% إلى 7%، ألزمت ماليزيا فيها كل متقدم للزواج من الجنسين أن يُقدم للقاضي الشرعي شهادة من وزارة الشؤون الاجتماعية تفيد بأنه حاصل على دورات متخصصة في الحياة الزوجية، وها هي اليوم تعد من أقل دول العالم في نسبة الطلاق. أخيرا أقول: علينا أن نعمل سريعا على سن تشريع يجرّم الأب إذا زوج طفلته القاصر، وكذلك المأذون الموثق لهذا الزواج، فالانتظار كثيرا قد يفاقم المشكلة.