للمدعو «بِشت» فضل على السعوديين، فحين ترتديه يمكنك أن تتصدر مجالس الرجال، وتجلب الانتباه وتسرق أنظار المحيطين، ناشراً فيهم السؤال الشعبي الأشهر «من هذا؟»، مع هذا القديم المتجدد ينال من يرتديه هيبة وقدراً وكمية أكبر من النظرات، ولو كان صفراً على الشِمال، فقط ما يجب أن يتنبه له - جيداً - محاولة نطق الكلمات العريقة والثابتة والتي لا يمكن التنبؤ بما بعدها من وزن «طال عمرك، عز الله قيامك» وفي شكل متقطع بطيء، يؤكد أن المتحدث قامة من الوزن الثقيل جسماً وصوتاً، ولا أضمن لكم أن يكون بذات الوزن «عقلاً». الخطوة الضرورية الثانية تتمحور في وزن دوران الرقبة جيداً، مع تفضيل أن تكون زاوية الرؤية أمامية مصحوبة بانحراف ذكي يحسب لك لا عليك، وهذا ما لا يمكن تعلمه وتعليمه، بل يكتسب من التجربة والخبرات المتلاحقة في المناسبات الرسمية وغير الرسمية والمجالس الشعبية ذات الحضور الآسر بمعيته. عيبه أنه يزرع ثقة عرجاء، ويمنحك ابتسامات متنوعة، أزعم أن جلها من نوع الابتسامات الكاذبة، لكنها من لوازم الحديث وثوابت المجتمع، ومن عيوبه أيضا أنه يجعلك أشبه بالآلة، ولا يمكنك برفقته نقل حركة الأقدام من زاوية إلى أخرى من دون توقف إجباري، تحسباً لعثرة غير محمودة العواقب، تلقي بظلالها الوخيمة على الهيبة الوقتية. أتذكر ذات يوم قدوم مراجع من فئة «مواطن» حضر لمقابلة مسؤول ثقيل، كان «الأخ اللطيف» يحمل «البشت» من لحظة نزوله من السيارة وحتى اقترابه من مكتب المسؤول، ثم ارتداه بانتشاء غير مسبوق، معتقداً أنه جالب للفرح، ومحقق للأمنيات، وهاز للكراسي الدائرية، وصانع للشخصيات الصاخبة الوهمية التي تتطلبها وتحتاجها مثل هذه اللحظات، بينما أعرف أن شخصيته الحقيقية تشبه مشاركة منتخبنا الكروي في البطولات الرياضية «خجولة ومهزوزة»، ولا ألومه، فنحن من قاده إلى هذه الثقة وفرض عليه هذا السيناريو الجاهل، وأسهمنا وبتهور في زراعة الملامح المتوهجة للبشت وحامله، بل إننا نعده صلب اللوحة الفنية في الكاريزما السعودية العامة، ومانح الضوء والتميز الخارجي الشكلي - طبعاً - حتى وإن كان الداخل أشبه بساحة تفحيط! «السيد البشت» تحوّل شعبياً إلى معنى كاريكاتوري على رغم جذوره العربية الأصيلة، فتحول لدينا من رداء عادي فرضته طبيعة الحياة، إلى ميزان التمايز الاجتماعي، و أنا لا أنتقص منه ولا من الذين يدفعهم إيمان متوارث بأنه من ضرورات الحضور الاجتماعي، إنما لدي قناعة تامة بأن هناك من يحمل البشت - من دون جدل - وهو أهل له في الوزن والميزان الشخصي، وأن هناك من يقوم البشت بحمله، كون بوابة الارتداء مفتوحة من دون قيود، وهنا تتسمّر البشوت الوهمية! بقي أن أعرض أبلغ وأشهر المحاسن ل«البشت» في مشهدنا المحلي، إذ إنه الغطاء الرسمي والشعبي الخارجي وغير الملاحظ للشكل الجمالي الداخلي «السمنة»، ويعتبر محاولة طريفة لإخفاء معالمها وبروزها، وحتى ندخل والقارئ في مسابقة لذيذة، نضع الاستفهام الطريف هنا: كم «بشتاً» سعودياً وهمياً لدينا؟