كنت أعتقد أن الفقراء لا يستطيعون التمييز بين أنواع الخبز، فهم مشغولون بمهمة توفير ما يسد حاجتهم منه، تاركين مسألة التمييز بين مذاقات الأنواع لمن يمنحهم الترف القدرة على استهجان نوع والإقبال على نوع آخر، غير أن الارتفاع الذي حدث لبعض أنواع الخبز كشف عن قدرة لدى أولئك الفقراء الذين يقاسون من شظف العيش يستطيعون من خلالها التمييز بين أنواع الخبز، فيعرفون أيها أكثر اقتدارا على إشعار أبنائهم بالشبع وهي مسألة لا دخل للمذاق الذي يحتكم إليه القادرون على شراء أي نوع من الخبز يخطر على بالهم أن يشتروه. أبو علي الذي تحدث لإحدى الصحف على هامش فتحها لقضية ارتفاع أسعار بعض أنواع الخبز لا يعنيه أن ترتفع أسعار تلك الأنواع التي تضاف إليها بعض الزيادات المتمثلة في الحليب والمنكهات وغيرها، غير أنه أكد أن الزيادة التي طرأت على أسعار الخبز (الصامولي) سوف تزيد وضعه سوءا فهو النوع الذي تكفل كمية بسيطة منه إشعار أبنائه بالشبع. المؤسسة العامة للصوامع والغلال طمأنت أبا علي وأكدت له أن أي زيادة لم تطرأ على أسعار الدقيق وأن عملية توريده للمخابز لم تتوقف وأن دعم الدولة له لا يزال مستمرا. حماية المستهلك لم تتحرك ولم تتحدث كالعادة ويبدو أن موضوع الخبز خارج عن دائرة اهتمامها وحسبها انشغالها بمتابعة موضوع استخلاص الرسوم التي من المفترض أن تتسلمها من الغرف التجارية، أما وزارة التجارة فمشغولة بقضايا أخرى تتصل بطبيعة عملها كوزارة للتجار كما يرى بعض المراقبين. وحدها جمعية حقوق الإنسان أبدت انزعاجها من تلك الزيادة وأكدت أن الخبز خط أحمر لا يمكن ولا ينبغي التلاعب به بأي حال من الأحوال، وقالت إنها سوف تتدخل إذا لم تعد أسعار الخبز كما كانت، وعلى الرغم من أن أحدا لا يعرف ما يمكن أن تقوم به إذا تدخلت إلا أنها كسبت أجر المحاولة على أقل تقدير. الخبز خط أحمر ولنا أن نكون أكثر تحديدا فنرى أن خبز الفقراء الذي يعرف الفقراء وحدهم قيمته، هو الخط الأحمر الذي لا ينبغي المساس به، ولأصحاب المخابز والتجار أن يتلاعبوا بعد ذلك بأسعار أنواع الخبز الأخرى التي لا يعرف الفقراء أسماءها ولا الفرق بين مذاقاتها.