سواء كنت مثقفا، أو عاشقا للبيئة الثقافية بكل معطياتها، فلا بد أن يسيل قلبك حزنا أمام مرحلة «الخريف الثقافي» التي يجتازها وطننا العربي خلال السنوات الأخيرة، بوفاة أسماء ساهمت في صناعة تاريخ الثقافة العربية الأصيلة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان ومجال. ومع تلك الوفيات التي لا شك أنها تترك فراغا هائلا يصعب تعويضه لا بد أن يعلن هذا السؤال عن نفسه بإلحاح عنيد: «هل ستجد المواهب الثقافية الحقيقية طريقها لملء هذا الفراغ الخطير، أم سيبقى متاحا لصناع السخف والثقافة الهشة الرخيصة من مستغلي الفرصة للتسلل إلى المشهد الثقافي دون استحقاق؟». اسمحوا لي أن أتحدث بشيء من الصراحة، وأقول: ترك «الثقافة» ل «الصدفة» و«الظروف» جريمة كبيرة بحق الحضارة العربية ومستقبلها، فالثقافة شأنها شأن أي مجال ضروري آخر من مجالات التنمية، تحتاج إلى رعاية وصقل ومتابعة وخطط منهجية وانتقائية للمواهب التي يتم تشجيعها دون إهمال، ودون انتظار لأن يأتي المثقف بنفسه لاستجداء الاهتمام من مؤسسات ثقافية لا يعرف الطريق إليها، وربما لم يسمع عنها أصلا! المشهد الثقافي العربي اليوم يجتاز نفقا نحو مستقبل مجهول. فالواقع يؤكد أن المنطقة ستواجه عجزا مستقبليا في أعداد المثقفين المتميزين والمبدعين في مجالات الفكر والفلسفة والأدب والفنون الجادة بمختلف أشكالها أمام هيمنة ثقافة الاستهلاك السطحية التي تنشرها وسائل الاتصال وشبكاتها الحديثة، وأمام عدم تقدير المجتمع للمثقف مثلما يقدر أصحاب «المهن» التي «ورث» اعتبارها أهم من غيرها. وإذا لم يتم إنقاذ مستقبل الثقافة في المنطقة برعاية المواهب المأمولة؛ سنجد أنفسنا مضطرين لنعي الثقافة الأصيلة بعد سنوات قليلة.