نجيب عبد الرحمن الزامل - الاقتصادية السعودية الحكاية بسيطة جداً.. الحل: بسيط جداً. إرادة الحل: هممممم! إليكم القصة التي كنت شاهداً على أحداثها البارحة: الطريق في شارع كبير في الرياض، والازدحام وكأن السيارات أرتال من الحديد المتلاصق، والأعصاب داخلها أكثر حرارة من ماكيناتها. فجأة تأتي سيارة ليموزين، وتعكف بحدة مجافية للذوق والنظام على جانب الطريق، ثم تبدأ مناقشة، آسف مساومة، بين الراكب المحتمل والسائق المتوثب الذي لا يرى إلا مصلحته، وكأن الطريق ملكه. تأتي سيارة من الخلف لم تنتبه أن الليموزين "ماخذ راحته على الآخر"، فيصطدم بها.. ثم يكون المنظر كما تعوّدتم وتتخيلون.. ملحمياً مكرراً من الألفاظ التي تتطور للقبضات. تعالوا نحلل معاً: - أولاً لماذا نسمي سيارات الأجرة الصغيرة المكركبة القذرة في أغلب الأحيان والمزعجة في كل الأحيان، والتي هي عادة من الدرج السفلي في ترتيب سيارات الماركة التي هي منها، ليموزين؟ ليموزين حته وحدة! عرفنا أن الليموزين سيارات فارهة ممغوطة متغطرسة جمالاً ورفاهاً ويستخدمها محظيو الثروات، أو العامة الذين يريدون مرة أن يذوقوا طعم الرفاه. ولكنها كما ترى مشكلة الاصطلاحات والتسميات في العالم العربي.. نسبغ على الناس صفاتٍ تجعلهم في مصاف المُخلصين الذين يرتفعون فوق هامات البشر، وبعضهم لا يملك في جمجمته مثقال خاتم مقلد من الحكمة أو الذكاء، ولم يقم بأي عمل سامٍ، بل ربما لا يعرف أن يقوم بعمل إلا من غير النوع السامي.. ثم خُذْ من الألقاب والمديح والترفيع حتى يصدّق نفسَه، وإذا صدّق نفسه، وانقلب علينا زعلنا. أمي تقول لي- لأني من هذا النوع الذي لا يتقن شيئا- المثل الشعبي: "هذا طبخك يا الرفلة.. كليه!".. نحن نصنع بألقابنا ومديحنا شخوصاً وهمية كأشباح كهف أفلاطون.. ثم نرتعش منهم بقية حياتنا. - ثانيا: انظر لسائق التاكسي إنه تماماً مثل زعيم يعتقد أن الأمة له، فيأخذ ما يعن له من القرارات الكبرى التي تغيّر مسار الأمة المزدحم وفجأة يحيد عن الطريق ويعوق كل شيء. شوف، بصراحة، هذا حدث ويحدث في كل بلدٍ في عالم اسمه العالم العربي.. لا فرق، وهنا يتجلى شيءٌ من الوحدة العربية من الماءِ للماء. ما حدث في مصر هو انعكاف سائق السيارة فجأة، ثم لم يأبه لباقي الرتل من السيارات، أو الكتل السياسية والشعبية.. ربما لو لوَيْتَ يدِي وسألتني: هل قرار الدكتور محمد مرسي منطقياً في المادة السادسة من الدستور الذي تحت المخاض؟ لقلت لك نعم، فيه منطق، وخصوصاً أنه صرّح أنه لن يُستخدم إلا في مسّ السيادة المصرية وليس للداخل.. ولكنها حكمة وسياسة وقانون، وكان يجب أن يلتزم نظامَ المرور حتى لو اعترض النظامُ مرور عربته. ثم القوى السياسية تفاوض، آسف تساوم، كالراكب المحتمل، وهم في نهر الطريق العام لتقدم الأمة المصرية والطوابير تقف في الوراء فتتآكل التروس وتقف مقدرات الأمة.. وترى أن الأمرَ بسيط في الحل لو عادت العربة للصف، ووقف الراكب في محطة سيارات الأجرة.. ونرجع زي الفُل! - ثالثا: من حظ قلم المرور عندنا أني لن أتعرض بالنقد، فوجدنا النقدَ يولد شيئاً آخر اسمه "القوات المضادة للنقد" كما أن هناك قوات مضادة للإرهاب – ولكن لن يكون معقولاً أن أكون أذكى في الحلول من أساطين المرور في بلادي.. والغريب أنّ الحل يبدو لي سهلاً جداً.. وهو أن نضع عدّاداً إلزامياً لكل سيارة أجرة يحسب الزمنَ والمسافة، ويُكتب لوحة أمام الراكب مثل أي دولة بسيطة، ولا أقول الأممالمتحدة: "إن لم يعمل العدّاد، قدّم شكوى. إن ساوم السائق على مبلغ أكبر من العدّاد، فانزل بلا دفع وقدّم شكوى". والراكب عليه الانتظار في محطات محدّدة – ليس بمعنى مبنى- مجرد انعطاف جانبي كافٍ، ويمنع التقاط الراكب من الطريق ولو كان فاضياً، ويطبق ساهر أخلاقيات الليموزين- وهي فرصة بعَدْ لفلوس أكثر.. بس! - رابعا: هي مشكلتنا في بلادنا وفي العالم العربي، أننا نعرف المشكلة، ولكن بطريقة مزعجة نتجاهل الحلول التي حتى ليس علينا أن نفكر بها فهي أنماط وآليات وقوانين موجودة.. في العمل السياسي، وفي العمل التخطيطي، وفي العمل الإداري، وفي العمل التطبيقي.. لذا إن قلنا الفساد هو السبب، فهذا أفضل صفة لمَن يصونون بقاء المشكلات، لأن أي صفة أخرى ستكون أشد وطأة تبدأ تصاعداً - باسم الله عليهم - من الغباء. * أخيراً: مَن يحفر الحفرة بإرادته لتعثر المارين، من غير المنطق أن تطلب منه أن يردمها بإرادته!