مرام عبدالرحمن مكاوي - الوطن السعودية مشكلة اللجوء للسلطات الأجنبية عن طريق رفع الدعاوى بين السعوديين، تعني أن على الحكومة السعودية، التي تقتضي أنظمتها ألا يظل سعودي في السجون الخارجية، أن تتحمل تكلفة الترافع عن المتهم تناولت بعض التقارير الصحفية مؤخراً قضايا الخلافات الأسرية بين المواطنين والمواطنات في دول الابتعاث، والتي انتهى بعضها بلجوء أحد الأطراف المتنازعة إلى السلطات الأجنبية، أو قد تكون هذه الأخيرة قد تدخلت من تلقاء نفسها بعد ملاحظتها وجود مشكلة، كما في قضايا العنف الأسري. ومن خلال علاقتي المستمرة مع المبتعثات في بريطانيا وأميركا، فقد استمعت لقصص من طالبات أو مرافقات عن تعرضهن لمشكلات مع أزواجهن أو ربما إخوانهن. بعض هذه المشكلات تضمنت إساءة المعاملة والإهانة وسوء الخلق، وأخرى وصلت إلى حد الضرب أو السرقة أو حتى التهديد بالقتل. هناك أيضاً حوادث عن الإساءة للأطفال، أو في أحسن الأحوال الإهمال، سواء من قبل الأب أو الأم أو زوجة الأب. وهذه الأمور يجب ألا تعتبر غريبة بحكم أن الابتعاث قد أتيح لفئات المجتمع المختلفة، ولم يعد كما كان في السابق خاصاً بالمعيدين ومنسوبي الجامعات وأوائل الطلبة والمبتعثين من جهات العمل. ومع وجود ما يزيد عن المئة ألف مبتعث ومبتعثة حول العالم، فإنه لن نعدم من بين هؤلاء وجود أقلية لم تثنهم الغربة عن الإساءة لعائلاتهم وصورة دينهم وسمعة وطنهم. أسباب هذه الخلافات الأسرية متعددة كأية علاقة زوجية في الوطن الأم، لكن هناك نوعا آخر من الخلافات خاصا بالطلبة المبتعثين، وهو ذلك الناتج من تغير ديناميكية العلاقة بين الزوجين في دولة الابتعاث. فالزوج مثلاً، ولاسيما الذي عاش مع زوجته عدة سنوات في السعودية قبل البعثة، قد تعود على علاقة زوجية - ليست بالضرورة سيئة - لكن له فيها اليد العليا، فهو غالباً معيل الأسرة الأول، وكلمته هي الفاصلة، وليس مطلوباً منه المساعدة في أعباء المنزل والأولاد، خاصة في ظل وجود الخادمات والسائقين، وبدون إذنه لا يتمكن أفراد أسرته من التنقل من مكان لآخر، فهذا مجتمعنا وتلك عاداته التي نتعايش معها. فماذا يحصل عندما تنقلب المعادلة فجأة رأساً على عقب ويصبح الزوجان ندين لبعضهما وفق قوانين البلد الجديد، وفي ظل غياب النضج والوعي والثقافة؟ بل ماذا يحصل حين تتفوق عليه زوجته؟ كأن تكون مجيدة للغة البلد الجديد أكثر منه، أو مكنتها درجاتها العالية من الحصول على بعثة وقبول جامعي بعكسه، فهو فقط المرافق لها، وبالتالي فراتبه أقل من راتبها، وحتى وضعه القانوني بحسب تأشيرة الدخول يجعله هو المعتمد عليها.. هل سيكون ذلك دافعاً له ليجتهد أكثر ويطور نفسه مستغلاً هذه الفرصة الثمينة التي أتاحتها له بعثة زوجته، أم سيحاول معالجة عقدة نقصه بممارسة رجولة كاذبة عليها؟ أو كيف تتأثر العلاقة الزوجية حينما تنسى زوجة أن حقوق زوجها عليها وفق دينها لا ترتبط ببلد معين، فخروجها لغير ضرورة دون إذنه أو تحقيرها له أمور لا تجوز لا شرعاً ولا عرفاً، بل وليس تصرفاً لائقاً في حق من قد يكون ترك أهله وتخلى عن وظيفته لتحقق أحلامها. كذلك فإن بعض الأزواج والذين ترافقهم زوجاتهم ليقمن على شؤون بيوتهم وأطفالهم فيما يتفرغ هو لدراسته يجد أحدهم نفسه يحتقر زوجته ويقارنها بزميلاته وزوجات معارفه، وقد يسهر مع أصدقائه كل ليلة، فيما يحرمها هي حتى من دراسة اللغة أو الاختلاط بالأخريات، بل وقد يتزوج عليها في الغربة، أو يتورط في علاقات غير مشروعة مستغلاً وجوده في بلد لا يرى في هذه العلاقات جريمة، دون أدنى مراعاة لمشاعر المرأة التي تغربت لا لشيء إلا لأجل مستقبله. هذه أمثلة لبعض مشكلات الأسر السعودية في بلدان الابتعاث المختلفة. وكأي مشكلة أسرية فإن الخطأ غالباً يكون مشتركاً، لكن أحياناً تكون مسؤولية أحد الأطراف أكبر، ولاسيما إذا تطورت المشكلات إلى ضرب أو حبس أو غير ذلك من التصرفات التي لا يقرها شرع ولا منطق. فكيف يمكن لهذه العائلات المغتربة التعامل مع المشكلات الأسرية سواء بغرض حلها بالإصلاح أو بالطلاق؟ بحسب تصريح سابق لوكيل وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله الموسى، نشرته صحيفة الوطن قبل عامين بعنوان: "لا لتصدير خلافات المبتعثين الزوجية للحكومة الأميركية"، جاء فيه أن "على الزوجين ترتيب أمورهما قبل الابتعاث والاتفاق على المسؤوليات قبل المغادرة، كي لا يحدث ما لا تحمد عقباه"، مضيفاً أن "الوزارة ترفض أن يمتد الخلاف لتصل الشكوى للسلطات الأميركية في ظل وجود ممثليات سعودية هناك معنية برعاية شؤون السعوديين".. كما حذر الموسى الأزواج المبتعثين من إلغاء البعثة إذا خالفوا الأوامر أو لجؤوا إلى خارج الإطار الرسمي السعودي، وذلك لمخالفتهم التعهدات الموقعة من قبلهم قبل صدور قرار الابتعاث". فمشكلة اللجوء للسلطات الأجنبية عن طريق رفع الدعاوى بين السعوديين على بعضهم سواء كانوا أزواجاً أو إخوة أو زملاء أو معارف، تعني أن على الحكومة السعودية، التي تقتضي أنظمتها ألا يظل سعودي في السجون الخارجية، أن تتحمل تكلفة الترافع عن المتهم، وغالباً ما سيتم الإفراج عنه بكفالة مالية، ليعود للمملكة ربما دون أن يحصل صاحب الحق على ما يريده. وهنا يجدر القول إنه لابد من وجود تشريعات تقتضي بأن المتهمين في الخارج والذين تتمكن البعثات السعودية من الإفراج عنهم، يجب ألا يطلق سراحهم بشكل تلقائي في المملكة، بل أن يعودوا للسجون السعودية لاستكمال التحقيق معهم ومحاكمتهم، ولاسيما المتورطين بقضايا من العيار الثقيل، فكوننا خلصنا المجتمعات الأجنبية من شرورهم لا يعني أن نتركهم يسيحون بحرية في شوارعنا الآمنة. فإذا اعترفنا بأن المشكلات الزوجية والأسرية تحصل في الخارج، وتم توجيه المواطنين والمواطنات بعدم اللجوء للسلطات الأجنبية، وبالتالي لا يبقى أمامهم إلا اللجوء إلى الملحقيات والسفارات السعودية، فكيف تتعامل هذه الأخيرة معها لاحتوائها ومحاولة حلها قبل تفاقمها؟ وما الحلول التي يمكن بها استباق وقوعها قبل وأثناء فترة الابتعاث؟ الجزء الثاني من المقال سيتناول الإجابات على هذه الأسئلة.