مساكين أهل القلم، مفكرين وكتاباً وصحفيين تحاربهم كل الأنظمة بأشكالها ويهاجمهم المحافظون. يُقدمون، أحياناً، على أنهم خونة متآمرون، وأخرى على أن أفكارهم ملوثة وخطر على المجتمع، وثالثة على أنهم منحرفون وفاسدون. هم محل شبهة في العالم العربي، يجري التفتيش في ثنايا سطورهم، وتمحيص كل عبارة مهما كانت عابرة، ومراقبة سلوكهم في كل حال لأنهم يختلفون عن البشر ففي كل شيء لهم غاية ونية خفية. تمتلئ سلتهم بكل الأوصاف المنبوذة والاتهامات الشائنة. المثقف ليس مجرد شخص يكتب الشعر والقصة بل كيان معرفي سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع وهو الذي يرسم الملامح التنموية بأفكاره وطروحاته وتطبيقاته إن وجد متنفساً. وهو المحرك الداخلي لبنية المجتمع ليكتسب وعياً فعلياً يستطيع، من خلاله، بناء وجوده وفاعليته ونموه الحقيقي والصلب. المشكلة ليست في المثقف بل في عجز مجتمع عن امتصاص الثقافة ولايفعل مجتمع ذلك إلا وجب أن يلحق بعصور الانحطاط فهي لم تصنف كذلك إلا بتراجع حضورها المعرفي وضياع هيبتها العملية وحين تحارب بلد ما الثقافة فإنها تحكم على نفسها بالانغلاق والبعد عن التأثير لأن الخوف هاجسها والارتباك صورتها فكأنما تمحو كل تاريخها ليحل مكانه الملاحقة والترصد والحجب ولعل المجتمعات التي تخلو من الكتاب هي المجتمعات البدائية والمنغلقة فقط. للتاريخ فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز دفع بالحرية الإعلامية والأنشطة الثقافية، سعودياً، إلى الأمام وألبسها ثوب الطمأنينة حين حمى الكتّاب من المحاكمات العشوائية ووضع لهم نظاما يستند إلى الاشتراطات المهنية المتحضرة فعاش الإعلام السعودي ربيعاً لايزال يثمر ويزدهر، ونقله من دائرة الظل إلى مسرح الفاعلية والابتكار وبعد أن كان السعوديون يلتقطون كتبهم خارجاً أصبحوا يقرأونها داخلاً بينما يجيء الحجب من الآخر.