تزامناً مع الفعاليات الثقافية المتمثلة في معارض الكتاب في الوطن العربي وفي الداخل، تبرز قضية الرقابة الرسمية وغيرها من أشكال الرقابة الأخرى ضد الكتاب بوصفها منتجاً ثقافياً إنسانياً، فكثير من الدول العربية نجدها متسامحة في رقابتها الرسمية أكثر من بعض التيارات الفكرية التي تجيش المجتمع ضد الكتب التي تختلف عن أيديولوجياتها الفكرية والدينية، وتصور حضور بعض الكتّاب العرب ومشاركتهم في محاضرات أو توقيع لكتبهم وكأنه الخطر الداهم الذي سيدمر هذا المجتمع أو ذاك، إن الرقابة أداة تستخدم من بعض الأنظمة والجماعات المنغلقة التي تعتقد أنها وحدها تمتلك الحقيقة المطلقة، اما غيرها فيمثل الشر الأكبر ويجب منعه، لكن التاريخ أثبت ان الانغلاق وإقامة الجدران الحديدية مرحلة ولت، إذ إن العالم يعيش الحقبة المعلوماتية التي تتخطى الحدود عبر القارات عن طريق وسائل الإعلام الجديدة، التي ستقضي على عقلية الرقيب بشكل نهائي في عالم اليوم. من يخشى التحديث والتغيير ومسايرة العصر يدعو بمبررات كثيرة إلى التشدد في رقابة الإبداع المعرفي ووصوله إلى الشعوب، فمرة بداعي المحافظة على الثقافات المحلية وأن هناك غزواً فكرياً، فيجب علينا إغلاق الأبواب في وجه المعرفة وسن القوانين الرقابية في منع الكتاب عن قرائه، وهناك من يؤمن بمفهوم المؤامرة ضد هذه الدولة أو تلك، عن طريق التأليف والإبداع الفني، وكأن دول العالم الاخرى تعمل بشكل متواصل لتدمير الثقافات الاخرى، والغريب ان من يطرح مزيداً من الرقابة هم في مؤخرة الدول المتقدمة والمبدعة في جميع المجالات، ما يثير الاستغراب من الطرح من تلك الشعوب بأن العالم الآخر يتآمر عليها. ومن أنواع الرقابة التي يكثر الحديث عنها في مجتمعاتنا وبعيداً عن الجانب الرسمي: مصطلح الرقابة الذاتية، الذي اعتقد انه من اقسى وأقبح أنواع الرقابة، فعندما تريد أن تكتب أو تفكر أو تتكلم فعليك مراقبة ذاتك وتهذيبها من أي فكر خارجٍ عن التفكير الجمعي، يجب ان تروض نفسك وقلمك، ان تكون مثل الآخرين في المجتمع، ما يعني قتل الإبداع والأفكار الخلابة، وهذا للأسف موجود في جميع مؤسساتنا التعليمية التي تعمل بجد لتكريس مثل هذا النمط من التفكير، الذي بالتالي يقود إلى التشدد والانغلاق الفكري، وقد يقود إلي التطرف والإرهاب. في كل دول العالم توجد أشكال متعددة من الرقابة، ففي الغرب المتقدم من الناحية الإبداعية تقوم دور النشر بدور الرقيب في بعض الأحيان عندما تتعرض لضغوط في تلك المجتمعات؛ لأسباب دينية أو عنصرية، لكن هذا لا يعني انه لا استغلال للرقابة هناك، فالمكارثية ما زالت عالقة في التاريخ الأميركي؛ إذ تمت محاكمة كثير من الكتّاب الأميركيين بتهمة الشيوعية وتم إحراق آلاف الكتب بالتهمة نفسها. في مجتمعاتنا نجد الكل يراقب الثقافة والإبداع، مرة باسم الدين - وهذه اخطر أنواع الرقابة - فنجد التصنيفات التي تطلق على الكتّاب والأدباء وتصل في بعض الأحيان إلى التكفير الذي قد يدفع بعض المتطرفين للقيام بتصفية وقتل بعض الأدباء والمبدعين استناداً لفتوى صادرة من رجل دين متشدد، يبني فتواه تلك على شخوص في نص روائي أو قصصي أو قصيدة شعر ولا يفرق بين الكاتب والنص. وعلى رغم الثورة في عالم الاتصال والإعلام الذي نعيشه الآن، فإن بعض الدول تحاول استخدام هذا التقدم العلمي في حجب وتدفق المعلومات، كما حدث أخيراً بين الصين وشركة غوغل، والمثال الآخر ما يقوم به النظام الإيراني من حجب مواقع المعارضة الإيرانية، أما في عالمنا العربي فثمة منهجية وبذل لملايين الأموال تقوم بتطويع التكنولوجيا وتستخدمها للحجب. [email protected]