هناك من ينظرون إلى برامج (المناصحة) وكأنها عاجزة عن تحقيق الأهداف المرسومة لها.. وهم يرون أن العدد الكبير من المنخرطين مرة أخرى في الأعمال الإرهابية يشير إلى عدم نجاحها بدليل ما يحدث بين وقت وآخر من إلقاء القبض على مجموعة جديدة منها أقدمت على أعمال (مخزية) جديدة حتى بعد أن أخضعت لهذا البرنامج طويلا.. والحقيقة أن المشكلة ليست في البرنامج وإنما في الثقافة التي نشأ عليها هؤلاء بدرجة أساسية.. وهي ثقافة عميقة ومتجذرة قامت على أسس ومفاهيم خاطئة ورثت في دواخلهم الشعور بالعدوانية.. والقتل.. وسفك الدماء وكأن علينا وما زال أن نتجه لهذا البناء الفكري المختل وأن نعالجه بقوة ومن الأساس.. وتحديدا بإصلاح نظام التعليم إصلاحا جذريا عميقا ونظام الإعلام بجوانبه المتعددة التربوية والثقافية والتوعوية وربطه بنظام الحياة الاقتصادية والإنسانية والأخلاقية والقانونية.. أما السبب الثاني فإنه يرتبط بغياب الشراكة الفاعلة بين الجهات الأمنية المختصة وأسرة هذا الإنسان (الملوث) فكريا.. وبينهما وبين المجتمع.. ذلك أن من يغادرون هذا البرنامج يظلون بحاجة إلى متابعة دقيقة.. ولصيقة لفترة من الزمن.. ولبرامج دمج قوية في الحياة العامة.. ولشغلهم بما يفيد ويصرفهم عن التفكير بطريقتهم السابقة.. وحتى برامج المناصحة نفسها تحتاج منا الآن إلى إعادة تقييم جديد لتعظيم فوائدها سواء كانت هذه المراجعة لمفرداتها.. أو لطبيعة فكر وثقافة العناصر المنخرطة في تنفيذها.. لتلمس الحاجة إلى عناصر أخرى.. ومن تخصصات أخرى.. وذات فكر أكثر تعايشا مع الحياة وتغييرا لأنماط التفكير والسلوك الإنساني وإدخال ثقافة جديدة إلى العقول.. وإكساب المنتصحين تجارب ومهارات حياتية جديدة ومغايرة لما ألفوه في حياتهم الأولى.. بحيث يدخل المنظور السياسي والنفسي والتركيبي الذهني والاقتصادي في الصياغة الكلية لعقلية هذا المتدرب وتؤثر فيها وتوجهها وجهة جديدة.. لذلك كله أقول إن عملا كبيرا وضخما ينتظرنا لتطوير ما بدأناه، وهو صحيح ومفيد وفعال ولكنه يحتاج إلى إضافات جديدة كفيلة إن شاء الله تعالى بأن تجعل منه برنامجا ناجعا وعمليا.. *** ضمير مستتر: إعادة صياغة العقول والضمائر أخطر مهمة يقوم بها مجتمع لتحقيق السلامة لإنسانه.