في الصين كان ممثلو الحزب الشيوعي الصيني يُلزمون الفرد الذي يخرج عن التعليمات الصادرة من الحكومة بممارسة ما يُسمى " النقد الذاتي " ويُفرض على الخارج عن التعليمات تقديم إّما تقارير مكتوبة أو شفهيّة أمام مندوب الحزب وبالتفصيل عن اعترافه بالذنب أو الخطأ وتطهير الذات بل ومعاقبتها أحياناً مع وعد قاطع بعدم تكرار ما حدث. أظن أن الصين قد نجحت بهذا الأسلوب في ترويض البعض وإدماجهم بقوّة في عجلة الإنتاج الزراعي أو الصناعي ولا يعني نجاحه هناك تعميمه كنموذج قابل للتطبيق في بقيّة الأمم الأخرى. تذكرت هذا الأسلوب الصيني وأنا أُتابع خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الموجّه للعالم بصفة عامّة وللشعب الأمريكي خاصّة أثناء احتفال الحزب الديمقراطي بفوزهِ لولاية ثانية في إدارة شؤون ومصالح أمريكا. ركّز الرئيس أوباما في جزءٍ من خطابه على دور المواطن الأمريكي في إبقاء بلاده القوة العظمى في العالم بمختلف المجالات عسكرياً واقتصادياً وصناعياً ومعرفيا. وقال إن الطريق إلى النجاح هو قيام كل فرد منكم بالحوكمة الذاتية. توقفت عند هذه المقولة طويلاً حيث شدّتني بلاغتها وقوّة تأثيرها. الحوكمة الذاتية تعني حسب مفهومي أن يقوم الفرد بمساءلة نفسه عن أفعاله وهل يسلك الطريق الصحيح أو يحتاج إلى تعديل المسار. إن في الوقفة مع الذات أهمية كبرى سواء لصالح الفرد نفسه أو صالح العمل الذي يؤديه وفي الأخير تعود الفائدة للوطن الذي ينتمي إليه. الرئيس أوباما في خطابه الذي افتتح به ولايته الثانية والأخيرة حين طلب من كل أمريكي أن يمارس حوكمة الذات فهو لا ينتقد أداء مواطنيه بل يرجوهم التصارح مع الذات حتى تبقى أمريكا في القمّة كما قال. في عالمنا العربي وفي بلادنا بالتحديد لو قيل للناس مثلما قال أوباما للشعب الأمريكي لضحكوا عليه وقالوا : " وهل ترانا ضالين حتى نحوكم ذواتنا ؟؟ نحن الأفضل والأطهر والأكثر إخلاصاً وما فيه زيّنا ..الخ". إن الأمم العظيمة هي التي تُعلي من قيمة الإنسان الفرد وتضعه في صدارة اهتماماتها وبالتالي تعتمد عليه في نهضة الأمة وازدهارها امتثالا للمقولة " الرجال عضودها كنوز ". أما حين يعيش الفرد سادراً في حياته دون وقفات مع النفس فقد تضيع حياته هباء وهو يحسب أنه يُحسن صُنعا. ما أجمل أن يطلب منك الرجل الأول وقمة الهرم في الوطن أن تنقد نفسك وتقومها قبل أن يقوّمك غيرك.