في مناسبة مهنية قبل أيام التقيت بجارتي في حيّنا القديم وزميلتي في العمل قبل أن تباعد بيننا الأيام.. كلانا مثقفة نشيطة اجتماعياً, وقد فقدنا التواصل بعد انتقالنا من المساحات المشتركة.. سألتني: هل أنت على الواتساب؟.. كل الناس يستخدمونه! قلت: نعم.. ولكنني نادراً ما أتفقد ما يأتي فيه لكثرة الرسائل الخاصة بغيري.. والأمر يسري على البلاكسو واللينكد إن وحتى الفيسبووك. ليس هناك من الوقت ما يكفي لمتابعة كل وسائل الاتصال المتوفرة, بالإضافة أن للتواصل دون حدود في المجتمعات غير مكتملة الوعي الحضاري مساوئ مضاعفة عن المجتمعات الأخرى التي تحاول تقنين الاستخدام لحماية المستخدم. الاتصالات الحديثة هي نعمة حققتها التقنية نشكر الله على توفرها لنا. ولكنها مثل غيرها من النعم تتحول بإساءة الاستخدام البشري لها إلى نقمة واضحة.. عبر الإيميل والجوال والواتساب والفيسبوك والتويتر ومواقع الاتصال الأخرى تتواصل نسبة كبيرة من الناس يومياً, بآلاف الآخرين من شتى الفئات التصنيفية؛ الزملاء والأصدقاء والأقرباء, المعارف والغرباء, المواطنين والأجانب في حوارات عابرة أو متواصلة ولأغراض مختلفة مهنية واجتماعية وخاصة. قرأت أن حضور السعوديين على التويتر سجل أعلى مشاركة عربياً.. إن صح هذا فله دلالاته من حيث تأثيرات فتح الفضاء الإلكتروني لآفاق التعبير والتواصل المباشرين مما لم يكن متوفراً من قبل.. فمع انفتاح بوابات حرية التعبير تأتي مسؤولية الالتزام بالتعبير بطريقة حضارية بعيداً عن الإضرار بالغير؛ خاصة حين يتاح لمستخدم الوسيلة الاختباء والاحتماء خلف قناع إلكتروني بعيداً عن المساءلة أو المحاسبة والمعاقبة.. ولكننا نعاني ممن يسمح لنفسه بفحش القول والقذف واختلاق أخبار كاذبة ونشر إشاعات كيدية. وآخر مثال هو الفيلم المسيء لرسولنا الكريم الذي استفز مشاعر كل المسلمين والواعين حين انتشر جزء منه بكل بذاءته المقصودة على اليوتيوب. يأتيني كل يوم فيض من المكالمات من الأقربين والأبعدين. وأرد عليها عادة إلا تلك التي أعرف من سوابق أرقامها أنها تحمل قلة أدب متكررة, أو إساءة مقصودة من شخص مستهتر يعرفني أو لا يعرفني. وعدا الاتصالات الشخصية المرحب بها أو المسيئة هناك الاتصالات التي تُفرض علينا فرضا لخدمة أغراض أطراف أخرى تتبادل المصلحة مع مشغلي خدمات الاتصال والتواصل. ويأتي ضمن غير المرغوب فيه الكثير من الاتصالات التسويقية أو الدعائية من شركات لا أعرفها ولا زرتها ولا رغبة لي في خدماتها. كما تأتي -وهي الأسوأ- اتصالات لا أستطيع أن أصنفها إلا بأنها تسولية؛ أي شحاذة طورت أدواتها واستغلت التقنية لإزعاج خلق الله ممن يتوسمون فيهم قدرة العطاء وحب عمل الخير. الأمر استشرى إلى كل شبكات التواصل وتمدد من الاتصالات الداخلية المحدودة العدد إلى اتصالات من الخارج وصلتها «سمعة الطيبين». شخصياً تسلمت رسائل كثيرة أغلبها من خارج البلاد كلها تعلن الحاجة إلى الدعم المالي, ولأسباب مؤثرة تبرر جرأة الطلب ممن لا يعرفون شخصياً؛ لتعليم طفل, أو علاج معاق, أو مواصلة علاج مريض في بلد أوروبي, أو حتى افتقاد ولي! ولا أشك أن ما يصل إلى غيري من «الطيبين والمؤكدي الثراء» أضعاف أضعاف ما يصلني أنا وأمثالي المكافحين أبناء الطبقة الوسطى التي يقال إنها تتقلص وتنقرض. رجاء لا توزعوا أرقام الناس بدون استئذانهم.. سواء كانوا طيبين أو غير طيبين.