حين اُخترع الليزر لأول مرة اتضح أنه اختراع يبحث عن تطبيق، واليوم نعجز عن عد الأجهزة التي تستعمل الليزر في تطبيقاتها المدهشة... وفي نفس السياق، حين ظهرت الانترنت لأول مرة لم يدرك الناس ولا حتى الخبراء مدى تأثيرها في حياتنا وعدد التطبيقات التي ستنبثق منها .. ولكن الانترنت أثرت اليوم على كل شيء في حياتنا وأصنفها شخصيا كثاني اختراع غيّر حياة البشر بعد الكهرباء.. وهي ماتزال في مرحلة التأثير والعنفوان وإعادة تشكيل الشعوب والثقافات (ولن تتأثر بلوائح نشر رسمية متخلفة).. فقوة الانترنت تكمن في حريتها واستعصائها على الاحتكار والسيطرة وتمتعها بميزة التفاعل الذي أتاح للجميع المشاركة والتداول والإضافة إليها ؛ ففي كل يوم يدخل إلى الانترنت كم هائل من المعلومات التي يقدمها الناس طواعية وتحجز لنفسها مقعدا في عالم الديمومة والخلود.. وكل عامين تبتلع ما يوازي مجموع ما أنتجته البشرية منذ اختراع الكتابة قبل 3 آلاف عام، بحيث تحولت إلى أرشيف معرفي وإنساني لم يقصد أحد إنشائه!! ... وما يبدو لي أننا انتقلنا اليوم إلى مرحلة تمكنت فيها الانترنت من صياغة حتى عاداتنا الشخصية والاجتماعية.. فأنا مثلا لم أكن أعتمد عليها في عملي (حيث مارست الكتابة قبل عشر سنوات من دخولها السعودية).. وحين أصبحت متاحة "للشعب" أنشأت عشرات العناوين الإلكترونية التي عدت وفقدتها بسبب قلة الاستعمال.. وحتى سبع سنوات مضت كنت أفضل مراسلة المكاتب السياحية حول العالم، لطلب منشورات ترسل إلى صندوقي البريدي، مستخفا بقدرة الانترنت على توفير معلومات سياحية يعتمد عليها ...!! ولكن كل هذا تغير اليوم؛ فقد أصبحت أفضل الانترنت لتوثيق مقالاتي بدل القيام عن الكرسي للبحث في الكتب والموسوعات المجاورة.. كما لم أعد أستغني عن بريدي الالكتروني واصبحت أفتحه من هاتفي أكثر من عشر مرات باليوم.. وحين أخطط لرحلاتي السياحية أبحث في المواقع الإلكترونية بدل انتظار رسائل ورقية تصل لصندوقي البريدي .. أما الأغرب من هذا كله فهو أنني لم أعد أزور المكتبات المتواجدة في مدينتي، وأفضل عليها شراء الكتب من أمريكا وبريطانيا "بطقة زر" !! ... وفي الحقيقة ليس أدل من قدرة الانترنت (على تغيير عادات العالم بأكمله) من الازدهار الذي شهدته مواقع الفيديو في عامي 2007 و 2008 ثم المواقع الاجتماعية في عامي 2009 و 2010.. فنحن السعوديين مثلا تعلقنا منذ البداية بمواقع التواصل الافتراضي مثل تويتر والفيس بوك، في حين تركنا لأطفالنا التعلق بمواقع الألعاب والفيديو.. وقد يعود هذا إلى تحفظنا بخصوص التواصل المباشر وافتقادنا لحرية التعبير، بحيث حولنا المواقع الاجتماعية إلى ساحات تعبير عن الرأي.. وكان موقع "تويتر" قد أشار إلى ارتفاع عدد مستخدميه في السعودية بنسبة 240% خلال عام 2010 وحده، في حين تجاوز عدد مستخدميه حول العالم إلى 170 مليون إنسان، والفيسبوك 500 مليون!! ومع هذا يبدو أننا نتخلف بأشواط عن إخواننا الماليزيين في مهارة التواصل الافتراضي.. فقبل سنوات سمعت معلومة (من مرشد سياحي ماليزي) ادعى فيها أنهم يأتون في المركز الأول عالميا من حيث الثرثرة عبر الهاتف .. واليوم اتضح أنهم يأتون فعلا في المركز الأول من حيث التواصل عبر الانترنت (حيث يوجد 233 صديقاً لكل مستخدم) يليهم البرازيليون (231 صديقاً لكل مستخدم) ... في حين يأتي اليابانيون في مؤخرة الدول ب29 صديقاً فقط لكل مستخدم (وكل هذا حسب استفتاء شمل 46 دولة أجرته مؤسسة TNS)... أما بخصوص عامنا الحالي (2011) فأتوقع ازدهارا كبيرا لتطبيقات الانترنت عبر الهواتف الذكية كالآيفون والبلاك بيري وسامسونج جالكسي.. فانتشارها السريع بين الناس وتواجدها الدائم في جيوبهم سيرفع من نسبة دخولهم على الانترنت (واسأل مجرب!!).. كما سيلجأ إليها الجميع لفتح بريدهم الإلكتروني، بدل فعل ذلك من كمبيوتر بعيد، وتنزيل لقطاتهم المصورة والرفع من أرشيف الفيديو ومخزون "الكليب"...!! ... أما المؤكد فعلا فهو عدم قدرة أحد على توقع مستقبل الانترنت أو مدى تأثيرها القادم في الفرد والمجتمع.. وبالتأكيد، يخطئ من يعتقد بإمكانية السيطرة عليها أو التحكم بها..